top of page
بحث

آستانا الخيانة

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣

آستانا الخيانة

كما جرت العادة، وقبل كل مؤتمر يمس الشأن السوري – والذي غالباً ما ترعاه وتحضره جهات غير سورية أساساً – ينقسم الشارع المعارض والثائر ضد نظام القرداحة إلى معسكرين، معسكر يؤيد المؤتمر ويشجع عليه خشية ان يتهم بعدم (الفهم السياسي)، ومعسكر يرفض المؤتمر خشية أن يتهم بأنه (غير متمسك بثوابت الثورة)، أما القناعات الخاصة، البعيدة كل البعد عن المصالح والعواطف والتحيزات المسبقة بكل أنواعها، فلا مكان لها للأسف إلا بين قلة قليلة من الثوار والمعارضين.

ولو جاز لنا أن نطبق مبادئ المحاكمة العقلية والبراغماتية على كل ما جرى من مؤتمرات تمس القضية السورية، ستبقى سلسلة مؤتمرات (آستانا) وحيدة متفردة ونائية عن أي محاكمة عقلية وبراغماتية، لا لشيء إلا لأن رائحتها الكريهة وشكلها القبيح مكشوفان وواضحان بحيث لا يبقى مجال لأي براغماتية أو موازنة عقلية في المسألة. إذ لكم أن تتخيلوا سلسلة اجتماعات تعقدها ثلاث دول احتلال تقتسم الكعكة السورية اليوم، وتتخذ في هذا الاجتماع قرارات مصيرية بالنيابة عن كل القوى السورية، تلك القوى التي يظهر واضحاً فيها تمام الوضوح بأن (المعارضة) هي الحلقة الأضعف والأكثر استصغاراً واحتقاراً من بين كل المشاركين في المؤتمر، بوجودها المعنوي وشخوص أفرادها المعروفين بالفساد والجشع والبعد كل البعد أساساً عما يدعون الدفاع لأجله. وليس هذا فقط، بل – وبعد 12 اجتماعاً – لم تتمكن تلك المعارضة او حتى من يدعي (ضمانتها) أن ينجز إنجازاً واحداً لصالح سوريا والسوريين، بل هو دائماً التنازل والتنازل والتنازل، والمزيد من الضحايا تحت القصف وفي المعتقلات الجحيمية لنظام العهر والسفالة.

لذلك – ومع تسليمنا التام بأن رعاة آستانا سفاحون لا يملكون ذرة من الضمير والإنسانية، وحاضريه من المعارضة مجرد مرتزقة لا يملكون ذرة من الشرف – دعونا بالرغم من كل ذلك نخضع مؤتمر آستانا لمناقشة عقلانية سريعة، ولنناقش رفضنا المطلق لمحادثات آستانا الحالية من وجهتين: سياسية، وأخلاقية.

من الناحية السياسية: أي منافع وأي مكاسب يمكن لك أن تحصلها وأنت الحلقة الأضعف سياسياً وعسكرياً، وواضح تماماً أنك مجبر على الحضور بأمر من الدولة الفلانية هذه أو تلك؟ المفاوضات تكون بين أنداد، وتكون وأنت تملك أوراقاً رابحة بين يديك لتفاوض بها وتحصل المكاسب من خلالها، أما والحال ما تعرف ... فما جدوى حضور المحادثات أساساً إلا أن تظهر المعارضة بمظهر الألعوبة الرخيصة بيد الدول؟ ما هو الوزن السياسي لهذه المعارضة اليوم ... وخاصة في ظل وجود الغيلان الروسية والإيرانية والتركية التي تقتسم الكعكة السورية دون أن تقيم أي وزن أو أي اعتبار لأي سوري من أي طرف؟ حضور المعارضة وهي بهذه الحالة المثيرة للشفقة من الضعف والتقزم والتشتت – بغض النظر عن الأسماء التي ستحضر وانتماءاتها وولاءاتها – سيأتي بالمزيد من الوبال على القضية السورية ككل، ولكن أقول لك (على الثورة السورية)، لأن تلك المعارضة كانت أول من خنق هذه الثورة وقتلها، فلسنا في صدد الحديث عن نفعية هذه المحادثات للثورة السورية من الأساس.

اما من الناحية الأخلاقية: أنت تجلس أمام عدو تعرف يقيناً بأنه – وفي اللحظة التي تجلس معه فيها – يقوم بقتل أطفال شعبك وتدمير وطنك وقتل آخر صيحات الحرية فيه، وتعرف يقيناً أنك لن تنجح في ردعه لأنك لا تملك الأدوات اللازمة لذلك ولست في موقع الضغط أصلاً لتحصّل أي مكسب منه حتى ولو بالحد الأدنى، ولم تنجح أساساً في فعل أي شيء طوال 12 جلسة سابقة معه، وحتى اتفاق (خفض التصعيد) خرقه عدوك أمام عينيك وباشر بقتل الأطفال والمدنيين بالجملة! فكيف يرتضي حاضرو أستانا من طرف المعارضة – هذا لو صدقنا بأنهم معارضة وأن بينهم من يتكلم باسم الثورة – بأن يصافحوا السفاح الذي يمتص دماءهم ودماء أطفالهم؟ لو كان أولئك الحاضرون يملكون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه من يمثلونهم – أو يدعون تمثيلهم – لأخذوا موقفاً صارماً وشجاعاً بمقاطعة هذا السفاح الذي لا توقفه مواثيق ولا تردعه اتفاقيات، فما دام الموت آتياً لا محالة، فليأت وهم في موقف الرفض لكشف هذا المجرم وتعريته أمام العالم، لا شرعنته والتطبيع معه بالجلوس حنباً إلى جنب بجواره على طاولة واحدة!

اما الحجج التي يسوقها من سيحضرون هذا الاجتماع من أنهم سيطالبون، وسيردعون، وسيوصلون صوت الثورة، وسيحررون المعتقلين، وسيوقفون القتل، إلى آخره من هذه الأسطوانة الممجوجة ... فهذا الكلام لم يعد يجدي فتيلاً لتبرير عمالتهم وارتزاقهم وتبعيتهم. فليخرجوا وليقولوها صراحة بعد أن بانت كعين الشمس: نحن عملاء! نحن مرتزقة! نحن أحذية! وليكفوا عن الحديث باسم الثورة والشعب السوري. اما فيما يتعلق بـ (الضامن) التركي، فهذا حديث آخر، والحديث فيه يطول ويطول ويكثر فيه الشجن والألم، وخيبتنا فيه أكبر بمرات من خيبتنا بمعارضتنا الهزيلة المخجلة المثيرة للشفقة والقرف.

الخلاصة ... تلك (الأحذية) العتيقة الرخيصة المشاركة في محادثات العهر والسفالة والخيانة في آستانا، لا تمثل السوريين، وليس لها علاقة بما يمت لسوريا وللسوريين بصلة أو علاقة! لقد أعلنوها اليوم صراحة - وعـلـى الـمـلأ - بأنهم مجرد مرتزقة سفلة عملاء، لا يملكون ذرة واحدة من الشرف، لا هم ... ولا أسيادهم!

أما رعاة هذا المؤتمر الكريه ... فقد شربوا من دماء أطفالنا، وشردونا في أصقاع الأرض، وسرقوا منا حياتنا ومستقبلنا، ولـعـبـوا باتـــجـاهـات ثورتنا وثوارنا، وزرعوا الكراهية ضدنا في العالم أجمع، ودمروا بلادنا ثم تقاسموها فيما بينهم كــالــكــلاب المسعورة، ثم يجيئون إلينا بمؤتمراتهم الوقحة ليحيكوا المزيد والمزيد من مؤامراتهم الدنيئة الخسيسة القذرة!

لعنة الله عليكم أجمعين – رعاة ومشاركين - لا أستثني منكم أحداً! ولعنة الله على كل حشرة منافقة ذليلة لازالت تــرتــضـي أن تأتمر بأمركم وتسير على هواكم، أما الخراف البلهاء الغبية التي لازالت تصفق لكل واحد فيكم وتعبده وتسبح بحمده بكرة وعشية ... فهذه لا عزاء لها حتى ولو سُحقت تحت أقدامكم.

٣٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page