![مناظرة](https://static.wixstatic.com/media/d6955d_5e3c1ee0607a4d07965b6644beeb436d~mv2.jpg/v1/fill/w_980,h_545,al_c,q_85,usm_0.66_1.00_0.01,enc_avif,quality_auto/d6955d_5e3c1ee0607a4d07965b6644beeb436d~mv2.jpg)
انتهيت للتوّ من الاستماع للمناظرة التي تمت يوم أمس بين كل من بايدن وترامب في خضمّ سباقهما للظفر بالولاية الرئاسية القادمة، كما قرأت وشاهدت بالمقابل كثيراً من التحليلات والتأويلات حول تلك المناظرة من جهات عدة. وهنا يمكنني الآن أن أسجل بعض الملاحظات الهامة:
أولاً: حول التعليقات اللانهائية إزاء أداء بايدن في المناظرة ... لم أجد شخصياً بأن أداءه كان سيئاً بل على العكس، كان أداؤه جيداً إلى حد ما قياساً بسنّه وحالته الصحية العامة وسلاطة لسان خصم عنيد قديم ومتمرس في الظهور الإعلامي كترامب (ولاأريد لكلامي هذا أو لأي كلام لاحق بأن يُعتبر تحيزاً لبايدن، بل الحقيقة أنني أكثر ميلاً لترامب، وهذا ما سأفسره في السطور القادمة).
ثانياً: بالنسبة للناخب الأمريكي عموماً، مسألة السنّ المتقدم لبايدن ليست مجال مقارنة أو تعليق أو نقاش، أولاً لأن الفارق في السن بين بايدن وترامب ليس هائلاً إلى هذه الدرجة كما يظن البعض (الفرق هو 4 سنوات فقط، يعني ترامب أيضاً هو شيخ طاعن في السن بنهاية المطاف) وثانياً لأن الشعب الأمريكي يثق في السياسيين الشيوخ ثقة عمياء ولا يعتبر تقدمهم في السن نقطة سلبية بل على العكس، وكلما كان المرشح (وخاصة للرئاسة) طاعناً في السن أكثر كلما كان هذا عامل جذب للأصوات أكثر وأكثر.
ثالثاً: من الواضح تماماً لكل من تابع المناظرة بكل تفاصيلها بأن بايدن رجل يركز على الإصلاحات الداخلية للبلاد اجتماعياً واقتصادياً أكثر مما يهتم بالعلاقات الخارجية والعسكرة والأمن، بينما ترامب يركز أكثر على العلاقات الخارجية ويلعب بقوة على وتر (هيبة الولايات المتحدة) ومكانتها كسيد للعالم، وبالمقابل يلعب على أوتار خطرة فينا يتعلق بديناميكيات التعايش الداخلي للشعب الأمريكي والديمقراطية الأمريكية.
رابعاً: الحرب الأوكرانية والانسحاب من أفغانستان كانا محور النقاش الأبرز طوال فترة المناظرة، وحضرت القضية الفلسطينية بشكل بارز أيضاً، وبدا واضحاً أن ترامب غير راض أبداً عن أداء إسرائيل الحالي وتعاطيها مع حرب غزة (وهذا يعكس مزاج تيار معين لدى جماعات الضغط وقادة الرأي، ولايعني أبداً أن ترامب شجاع ونزيه ومؤيد للحق الفلسطيني، بل ولم يكن ليجرؤ على الإفصاح عن هذا الرأي لو لم يكن واثقاً ممن يدعمه).
خامساً: لا أعتقد أبداً بأن حظوظ ترامب قد زادت بعد هذه المناظرة! لا يزال هناك استقطاب هائل في الشارع الأمريكي نحو كل من الرجلين، ولا يمكن أبداً أن يتكهن أي أحد بفرصة فوز أي منهما، وحتى لو مالت الكفة إلى أحدهما في لحظة من اللحظات، فقد تتغير الموازين في اللحظة الأخيرة، وهذا ما علمتنا إياه الانتخابات الأمريكية عبر تاريخها الطويل (تذكروا ما حدث منذ 20 عاماً في انتخابات 2004 التي خاضها بوش الابن أمام جون كيري، وكيف كانت كل المؤشرات تشير إلى تفوق كيري، وفي اللحظة الأخيرة حدثت عدة متغيرات جعلت بوش يفوز بولايته الثانية! ).
سادساً: شخصياً – كلاجئ سوري يتمنى انتهاء أو تخفيف الأوضاع المأساوية في بلاده – أتمنى فوز ترامب بكل تأكيد! فمع كل مساوئ وعيوب ترامب (التي لا تعنيني في شيء آخر الأمر) دعونا لا ننس كيف لجم إيران وأذاقها الويلات أثناء فترة رئاسته! إيران ونظامها الشيطاني الذي يقف خلف كل المعاناة التي يعانيها وطني، ويحول بينها وبين أي حل قد يخفف من مأساتها. إيران التي خربت كل المنطقة بميليشياتها وأيديولوجياتها وأطماعها الشعبوية المنحطة ... إيران التي باتت تحتاج فعلاً مبيداً حشرياً يقضي عليها وعلى سمومها، وهذا المبيد – على ما يبدو – بيد ترامب وحده، أو هكذا نتمنى على الأقل. أما علاقته ببوتن فهي ليست محل خلاف، بل بات واضحاً لكل سوري عاقل يريد حلاً ووضع حد لمعاناة بلاده بأن روسيا ليست سبب المشكلة الرئيسي في سوريا، أو على الأقل هي أكثر الأعداء عقلانية وقابلية للتفاهم والحوار.
سابعاً وأخيراً: سيكون أمام العالم كله أربعة أشهر ساخنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى! فمن هنا حتى يُحسم السباق الرئاسي الأمريكي في أول شهر تشرين الثاني نوفمبر، سيسعى كل طرف صراع وكل زعيم عصابة وكل قطب أزمة لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب على حساب الطرف الآخر ... إذ أن الله تعالى وحده يعلم من هو الذي سيدير دفة العالم بعد تلك الشهور الأربعة.
ملاحظة أخيرة: تمت كتابة هذه المقالة قبل التنحي المفاجئ لبايدن.
Comments