top of page
بحث

الأصوات الأجيرة، وديمقراطية العمائم السوداء

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣


العمائم السوداء


يحلو للبعض اليوم – بحسن أو بسوء نية – امتداح الانتخابات الإيرانية ومقارنتها بالوضع المزري للدول العربية من حيث الحريات والديمقراطيات وتداول السلطة، غير عالمين – أو عالمين ربما - أنهم بذلك يقدمون دعاية مجانية للعدو الإيراني، ويرسخون الصورة التي يروج لها هذا العدو وأبواقه بأن العرب (كل العرب عموماً في كل زمان ومكان وليس أنظمتهم الحاكمة فقط) هم مجرد همج رعاع بدو آتون من وراء البقر ويشربون بول البعير ويسكنون الخيام والصحاري ولا يفقهون شيئاً من مفردات الحضارة والمدنية ... إلى آخره من هذا الهراء الذي يروج له وبحماسة منقطعة النظير كل من العدوين الإيراني والإسرائيلي عالمياً، بل ويصرفون لأجله الملايين.


مقارنة الوضع بين الديمقراطية الإيرانية المزعومة، والديمقراطية القاحلة أو المعدومة في العالم العربي ضمن حكم أنظمته الحالية ... هذه المقارنة هي مغالطة منطقية واضحة، وذر للرماد في العيون بشكل رخيص وواضح ولا يخفى على كل عاقل وحكيم! هي أشبه بمقارنة سيارة صينية حديثة من انتاج عام 2021 بسيارة أمريكية جبارة تم انتاجها عام 1950 !!! هل وصلتكم الصورة بشكل واضح؟ دعوني أعطكم مثالاً آخر ... الأمر أشبه بمقارنة حبة طماطم طازجة انتجت في بيت بلاستيكي، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة ... بقطعة طماطم عضوية انتجت في تربة خصبة وتحت أشعة الشمس وسقيت بماء المطر، إلا أنها تركت فترة طويلة من الزمن بحيث أصابها العفن والتلف، فبدت قطعة الطماطم البلاستيكية إلى جوارها أكثر جاذبية وأصالة! هل فهمتم الآن؟ مقارنة غير عادلة ومجتزأة من سياقها المنطقي ولا مجال للمقارنة من الأساس!


ثم إذا جاز لنا أن نقارن، لم لا يقارن أولئك الجهابذة بين إيران وسوريا مثلاً في فترة الخمسينات من القرن الماضي، عندما كانت إيران تحت حكم ملكي تسيطر عليه عائلة (بهلوي) ولا تعرف من الديمقراطية أي شيء، بينما كانت سوريا دولة ديمقراطية فيها حرية حزبية وصحفية ويتم فيها انتخاب المجالس المحلية ونواب البرلمان ورؤساء الحكومات؟ ثم دارت الدنيا إلى أن سرق آل (الكلب) حاضر سوريا ومستقبلها وكل شيء جميل فيها، وجعلوها أسوأ بلد في العالم – بلا أية مبالغة – لدرجة أن بلداً متخلفاً محكوماً بسلطة دينية قمعية عسكرية كإيران صار مضرب المثل في الديمقراطية إذا ما قورن بها أو بأي بلد عربي آخر!


إن تلك الأصوات الخبيثة التي تلمز إلى تخلف العرب – من حيث الحريات على الأقل – وتقارنها بإيران وكأن إيران قد باتت منارة الحريات وموئل الديمقراطيات وقبلة حقوق الانسان، لا تريد إلا التأكيد على تفوق (الفرس) التاريخي المزعوم على العرب، وترسيخ أن الفرس حضاريون ومدنيون بالرغم من كل العمائم السوداء والأفكار الظلامية التي تحكمهم اليوم، بينما – بزعمهم – سيبقى العرب متخلفون حتى ولو باتت (دبيّ) أهم من نيويورك، وحتى ولو كان دخل الفرد في (الكويت) أعلى من دخل الفرد في فرنسا، وحتى لو كان التعليم في (قطر) أفضل من التعليم في اليونان!


وبما أننا نتكلم عن دول الخليج العربي ... فربما لم تكن دول الخليج تعرف شيئاً عن الديمقراطية، إلا أن الانسان فيها يحيا كريماً – من حيث مستوى المعيشة على الأقل – ويرى من الرفاه واحترام الإنسانية مالا يراه المواطن الإيراني المسكين الذي يرفل في (نعيم) الديمقراطية الخمينية الملالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع! وبما أن – وهذا واضح – هذه الحملة المسعورة من المقارنات تستهدف دول الخليج العربي تحديداً، فعناصر المقارنة يجب أن تتركز بين دول الخليج وإيران، وليس مع باقي الدول العربية التي لا مكان فيها للأسف لا للرفاه الاقتصادي ولا للحريات على حد سواء! مجرد حفر سوداء تحيا فيها الملايين بلا أمل، تحت أنظمة عسكرية مخابراتية قمعية شمولية، وتردٍ قاحل في الأوضاع المعيشية، وظلام تام في المستقبل الآتي. وغالباً فإن ذلك الشطر من العالم العربي هو شطر مدعوم ومسيطر عليه بشكل أو بآخر من النظام الإيراني نفسه!



وبالمحصلة، فإن الأصوات التي علت مؤخراً بالتطبيل والتزمير للديمقراطية الملالية الظلامية المزعومة، بل ومقارنتها -بكل وقاحة – بدول عربية متقدمة اقتصادياً وتقنياً ومعيشياً، هي أصوات خبيثة رخيصة أجيرة، أو (متفزلكة) بشكل غبي فقط نكاية بأنظمة الحكم في دول الخليج، ضمن ساحات تصفية الحسابات الإعلامية والسياسية. تلك الأصوات الخبيثة التي تقودها اليوم أسماء عربية لامعة للأسف، يجب إسكاتها بالرغم من كل نقمتنا على الأنظمة العربية الحاكمة بصورة عامة، وبالمقابل، يجب فضح جرائم وممارسات (النظام الديمقراطي الراقي) في إيران بحق الشعب الإيراني المقموع، وتسليط الضوء باستمرار على الوضع الأليم في إيران تحت حكم العمائم الملالية العفنة، التي لم تكتف فقط بسحق الشعب الإيراني وقمعه وسفك دماء أحراره ومتنوريه، بل خرجت إلى العالم العربي بكل حقدها وغطرستها وأطماعها التاريخية المريضة لتعمل قتلاً وتدميراً وتشويهاً في بلداننا العربية الجميلة وشعوبها وحضاراتها.



٢٤ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Yorumlar


bottom of page