top of page
بحث

مسلسل الدم ... وغسيل الأدمغة!

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣

غسيل الأدمغة

لم تكد تمضي أيام معدودات على تصريحات الرئيس الفرنسي – المثيرة للجدل - حول الإسلام، والتي تلتها فوراً قضية إسلام الرهينة الفرنسية القادمة من (مالي) ... حتى فوجئنا اليوم بتلك الجريمة البشعة التي حدثت – في فرنسا بالذات وفي هذا التوقيت بالذات – ضمن ما قيل بأنه طالب (مسلم) قام بقطع رأس أستاذه في الجامعة، وبسبب (ما قيل أيضاً) كلمات قالها هذا الأستاذ بحق الإسلام!

ومع كل هذه الرواية الركيكة وما سبقها من سريالية الموقف وتعقيد الوضع، ومع كل التجاذبات والعواصف الرهيبة التي تحيق بالإسلام اليوم كعقيدة وفكر وممارسة وأنصار ومجتمعات، ومع اليقين التام بوجود فكر منحرف يستشري اليوم بين المسلمين – ضمن إرادة عالمية ضمنية سنتحدث عنها فوراً في السطور القادمة – كالنار في الهشيم بلا ضابط ولا رابط ولا وعي ، مع كل ذلك ... لابد لنا من أن نعي حقيقة ما نحن فيه كمسلمين من كل الجوانب ، ولو جاز لنا – بعد محاسبة ذواتنا – أن نبدأ بأمر ، فالأولى أن نبدأ بفهم حقيقة المؤامرة الدفينة التي تحاك ضد الإسلام كفكر تاريخي وأيديولوجيا غيرت مسار التاريخ في الكثير من فتراته.

لقد بات الأمر مؤكداً ...

هناك أنامل عالمية خفية تسعى بشتى الطرق لربط (الإسلام) بالدم والقتل والموت في الوجدان الجمعي العالمي المعاصر، والمؤسف - والخطير في آن معاً - بأن تلك الأنامل الخبيثة تعمل بشكل رهيب على طمس وتحييد أي مصدر آخر فكري أو عقدي أو همجي للإجــرام في أي زمان ومكان وأياً كان مصدره، مقابل ترسيخ السردية الدمــوية لبعض التوجهات المريضة المتطرفة لمن يدعي الانتساب للإسلام، مع تجاهل أي إنجاز حضاري - تاريخي أو معاصر - للإسلام والمسلمين والفكر الإسلامي عموماً.

قد يبدو هذا الكلام مألوفاً بالنسبة لأنصار نظريات المؤامرة - وما أكثرهم - وبيننا كمسلمين الكثير جداً منهم، ممن يكتفون بالبكاء والصراخ والتشكي والهذيان بتآمر العالم والدول والحضارات علينا كمسلمين ... وهذا حق! إلا أننا يجب أن نعي بأن من يتآمر علينا لا ينفذ مؤامراته بأيدي رجاله وأجهزة مخابراته ودوائر إعلامه! ما أشرت له منذ بداية هذا المقال هو ذلك العمل الخبيث الحثيث على غسل أدمغة المسلمين أولاً، وبرمجتها ودفعها دفعاً لممارسة القتل وسفك الدم من جهة ... وبرمجة العقل الجمعي العالمي غير المسلم على تلقف هذه الممارسات التي تتم بأيدي (مسلمين)، ووصمها على أنها سمة ملازمة للإسلام وجزء أصيل من تركيبة العقل المسلم ... وهنا تكمن الخطورة، وهنا يجب علينا فهم تركيبة هذه المؤامرة وكيفية عملها.

خطورة المؤامرة التي تتم اليوم ضد الإسلام، هي محاولة هدمه وتشويهه عالمياً وبأيدي أبناءه، من خلال تغذية الفكر المتطرف وتغذية الأسباب الدافعة إليه أساساً، ورعاية هذا الفكر وتربيته كما تربى الوحوش والمسوخ في أقبية المختبرات، ثم إطلاقه في لحظات بعينها لتحقيق مكاسب جيوسياسية محددة – وليست تجربة (داعش) عنا ببعيد - أو حتى لمجرد خدمة عقائدية أو فكرية معينة، وهو ما يحدث – حرفياً – في فرنسا منذ سنوات، وما جريمة اليوم بخارجة عن هذا السياق.

الــحــل؟ الحل هو عملية غسيل ممنهجة وشاملة تتم لمسح ما علق بالصورة الذهنية للإسلام حول العالم، بأدوات عصرية حديثة، واندماج في مفردات الحداثة والمعاصَرة، ومرونة – لا تماهي فيها - بالتعاطي مع المجتمعات بكل أطيافها الأيديولوجية، مع تسليط الضوء على حقيقة أن القتل والإجرام كان طوال التاريخ – القريب منه حتى – يتم بأيدي غير المسلمين، ومن دوافع فكرية وعقدية لا تمت للإسلام بصلة. وفي الآن ذاته، تسليط الضوء على الجوانب الأخلاقية النبيلة للإسلام، والتأكيد على جانب البناء الحضاري والفكري منه في خدمة المجتمعات، سواء عبر التاريخ أو حتى صلاحيته لذلك اليوم أيضاً.

إن سعينا هذا اليوم كمسلمين مفكرين منتجين حضاريين – لا مسلمين ضحايا مستهلكين مغيبي الوعي – لأجل غسل الصورة المشوهة لديننا السمح لا يأتي إطلاقاً لمحاباة المجتمع الدولي والقيم الحضارية الغربية المعاصرة، بل يأتي بالدرجة الأولى لتنظيف تلك القاذورات الفكرية التي تعمل جهات محددة ومعروفة على وصم ديننا به بشكل حثيث ووفق دراسات وعميات بالغة التعقيد، وعليه ... فإن دفاعنا عن قيم ديننا وأصالته وصلاحيته للزمان والمكان يجب أن يكون فائق الدقة والقوة والمرونة في آن، لا يفرط في الثوابت، ولا يتوانى عن التفاعل الإيجابي مع المجتمع المعاصر ومفردات الحداثة.

الجهاد الحقيقي اليوم لا يكون إلا بمقاومة هذا المشروع العالمي الهادف لتشويه الإسلام وهدمه من الداخل بأيدي المسلمين أنفسهم للأسف! وأقسم بأن الإسلام لم يعرف طوال تاريخه فترة حورب فيها كما يحارب اليوم!!! لأنه وبعد انقضاء عهد الحروب الطاحنة وغزو الأمم للأمم ومحاولات بسط السيطرة ومد رقاع الممالك ... بتنا نعيش اليوم زمن معارك الفكر وغسيل الأدمغة وحكم العقول بدلاً من حكم الأراضي والإقطاعيات ...

واليوم، يقوم المعسكر الآخر بمحاربة الإسلام كفكر، وشيطنته بطريقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً لا تجاه الإسلام ولا تجاه سواه! الحرب اليوم ضد الإسلام هي آخر المعارك ... معركة هدم القيم الجميلة النبيلة للإسلام، وقلبها في عقول الناس إلى الضد، لتصب المجتمعات الإنسانية لعناتها على هذا الدين السمح، ويصبح المسلم معزولاً مكروهاً أينما حل، تمهيداً لانقراض هذا الدين كله كما يخططون ويتوهمون.

هل يعيش الإسلام اليوم في أزمة؟ نعم ... إنه كذلك! وهي أزمة لم يعرفها طوال 1400 عام تقريباً من وجوده، إلا أنها أزمة صنعها أعداؤه وكارهوه، ورسخها جهل أتباعه وغياب وعيهم، وتقاعس المثقفين المفكرين ممن يفترض أنهم سدنته وحماة ثغوره عن الدفاع عنه بأدوات هذا الزمن ومفرداته. المعركة خطيرة وشرسة، وأسلحتها ليست سكاكيناً ورصاصاً ومدافع، إنما سلاحها الوحيد هو العقل، وذخيرتها الوحيدة هي الفكر المستنير والرحمة ومكارم الأخلاق، وهي ذات الأسلحة التي بدأ بها مخلّص البشرية والرحمة المهداة إليها قاطبة ... سيدنا محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه، ليجعل هذا الفكر العظيم ينتشر في قارات العالم الخمس ويتبعه مليارات البشر منذ 14 قرناً إلى يومنا هذا.

فهل من متفكر؟

٩٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentarios


bottom of page