top of page
بحث

عمى ألوان ... لدى الجميع !

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣

عمى ألوان

مما لا شك فيه بأن تصريحات الممثل السوري (عابد فهد) منذ أيام أثناء تكريمه في لبنان بالحصول على جائزة (موريكس دور) كأفضل ممثل عربي قد صدمت غالبية أطياف الشعب السوري سواءً المعارضين منهم للنظام أو المحايدين منهم . فبالرغم من أن النظام السوري يعتبر عابد فهد وزوجته الإعلامية زينة يازجي من معارضيه وقد وضعهما مؤخراً على قائمة طويلة ممن وصفهم بالإرهابيين ، وبالرغم من أن عابد نفسه قد التزم الحياد في مسألة الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع في سوريا منذ اندلاع الثورة واكتفى فقط بالانحياز انسانياً لكل ضحايا ومشردي الحرب الوحشية التي يشنها النظام وحلفاؤه ضد الشعب السوري ، بالرغم من كل ذلك ... فوجئنا به يهدي تكريمه الأخير إلى (الجيش السوري) بشكل فج وصادم نقله فوراً من خانة (الرماديين) إلى خانة التأييد السوداء لنظام الأسد المجرم وجيشه الأحمق .

عموماً موقف عابد فهد ليس استثنائياً ، وذلك التماهي المقزز في التلون لدى حشد الفنانين ليس جديداً ، ويمكن أن نضيف إليهم أيضاً حشد رجال الدين ، والرياضيين ، والمفكرين ، والأدباء والمثقفين عموماً ، والذين صدمنا بالكثيرين منهم وقد قفزوا في غمضة عين من موقف الحياد او حتى المعارضة ... إلى موقف التأييد والانبطاح لنظام القرداحة المجرم ظناً منهم أنه قد استعاد زمام السيطرة على مجريات الأحداث والساحة الدولية ، وأعاد بسط قبضته الحديدية على كل شعاب الوطن السوري الممزق الجريح . على كل حال ... هدف مقالتي هذه ليس الحديث عن عابد فهد ولا عن سواه من المتلونين والمنافقين ومعدومي الضمير ، إنما الشيء الذي دفعني لكتابة هذه السطور ، هو مقال ساذج غبي استفزني قبل قليل ، ودفع بي للرد عليه بما يلائم سذاجته إن كان غير عامد ، أو حماقته وسخفه إن كان عامداً ومدركاً لما يفعل ويقصد !

مقالة في موقع اسمه (مختارات سورية) لا أدري من يقف وراءه ولم ينشر اسم كاتب تلك المقالة فيه أساساً ، عنوانها (انتهازية ثلاثة فنانين سوريين) ، تتحدث عن عابد فهد وسواه ، وتجمل معهم في ذات السياق الفنان السوري الكبير (ياسر العظمة) على اعتباره (انتهازياً) ومتلوناً ومنبطحاً مثله مثل عابد فهد والكثيرين ممن انتهجوا نهجه . حجتهم في ذلك فقط هي التالي وكما كتبوا بالحرف الواحد : ( ... لنتفاجأ بعودته إلى سوريا في شهر شباط الفائت ، ناشراً على صفحته صورتين له في بلدة بلودان مع تعليق يقول: ما أجمل الرجوع إليه ) !!!

في الواقع ... يقف المرء أحياناً عاجزاً تماماً أمام غباء مطلق كهذا الغباء ! وحتى لو جاز لنا ألا نعتبره غباءً ... فأقل ما يمكن أن نصف به كلاماً كهذا هو أنه مجرد هذيان مراهقين لا يعرفون شيئاً عن الصحافة ولا علاقة لهم بالتحرير والنشر الصحفي لا من قريب ولا من بعيد . سؤالي إلى كاتب هذه المقالة وإلى هذا الموقع (العظيم) الذي نشرها : أين الانتهازية في مجرد عودة رجل (محايد) إلى منزله ، وتعبيره عن سعادته بالرجوع إليه ، دون أن يمدح سلطة او يتملق مجرماً او يدلي بأي تصريح ينقله إلى خانة مؤيدي النظام ... وهو الذي لم يصرح بأي تصريح لا سلبي ولا إيجابي منذ اندلاع الثورة حتى يومنا هذا ؟ في حالة عابد فهد رآه الملايين على الهواء مباشرة يتغزل في النظام ... أما في حالة ياسر العظمة فأين التملق وأين الغزل ؟ ام أن مجرد عودة المرء إلى بيته صار خيانة وتأييداً للمجرمين و (انتهازية) كما أوحى لكم عقلكم المراهق بأن تصفوها ؟

لاشك بأننا – كثوار ومعارضين – قد آلمنا عدم وقوف فنان عظيم كياسر العظمة إلى صف الثورة السورية بشكل واضح وصريح ، إلا أننا وفي الوقت ذاته تنفسنا الصعداء لأننا لم نصدم به وهو ينبطح تحت أحذية أمن وجيش النظام كما فعل غيره ممن ظنناهم طوال حياتنا (معارضين) وشجعان وجريئين ... من أمثال دريد لحام ورفيق سبيعي وأيمن زيدان والكثيرين سواهم ... ولو كان من فضيلة تحسب للسيد ياسر العظمة ، فهي تصريحه منذ اللحظة الأولى بأنه ( يلتزم الصمت ) تجاه القضية السورية ، وثباته على هذا التصريح طوال ثماني سنوات وحتى هذه اللحظة ، علماً أن انشطته وأنشطة ابناءه تجاه اللاجئين والمشردين من الشعب السوري الجريح معروفة ولا يستطيع أحد أن ينكرها ، وقد أبدى الفنان ياسر تعاطفه ومساندته للشعب في أكثر من مناسبة وقضية ، دون أن ينحرف عن بوصلة الحياد التام التي التزم بها ولم ينقضها كما فعل الكثيرون .

منذ اندلاع الثورة السورية نزح الفنان ياسر العظمة مع عائلته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ، وقضى وقته متنقلاً بينها وبين كل من مصر والجزائر وتركيا ، إلى أن قرر في بداية العام الماضي أن يعود إلى مسقط رأسه في بلدة بلودان بريف دمشق الغربي ، والهدف الأساسي من ذلك كان البدء بتصوير الجزء الجديد من سلسلة (مرايا) بعد أن انقطع لست سنوات عنها بسبب أحداث الثورة السورية ، علماً أنه قد صور الجزء الأخير (مرايا 2013) في الجزائر أيضاً وليس في سوريا .

ومنذ أن قرر ياسر العظمة ان يعود إلى سوريا – ومع تأكيدنا على أنه لم يصرح بأي شيء لصالح النظام ولم يمدحه في أي مناسبة لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر – اندلعت ضده جوقة من المراهقين والأولاد الذين يؤسفني أنهم في صف الثورة ، ليصفوه بمختلف الأوصاف ، ويلصقوا به تهماً شتى لا حصر لها ، وليس لديهم في جعبتهم من دليل ولا قرينة ضد الرجل إلا حقدهم الأعمى وحدسهم المريض وعقلهم المهزوز وتفكيرهم المراهق !

العبرة من كل ذلك : كلامي هذا ليس دفاعاً عن شخص ياسر العظمة بحد ذاته ، وإنما هو رد على تلك الطريقة التي ينتهجها بعض المعارضين والثوار في التفكير متخذين من مبدأ ( إن لم تكن معي فأنت ضدي ) شعاراً وبوصلة لكل أحكامهم وأقوالهم ومواقفهم ! هذا الشعار وتلك الطريقة في التفكير لن تنفع الثورة في شيء ناهيك عن أن تنفع بلادنا الجريحة الممزقة بأي شيء !!! مالم نتعلم كيف نحكم على إخوتنا من كل أطياف الشعب السوري من منطلق إنساني بحت ، ومالم نعد تصنيف كل البشر من حولنا بعيداً عن مفهوم تأييد الثورة من عدمه ، ومالم ندرك حقيقة بأن أكثر من نصف الشعب السوري ملتزم بالحياد ولا منتم لأي من أطراف الصراع ، ومالم نتعلم كيف نتقبل المحايد ونتفهم موقفه بعيداً عن أي تعصب ثوري او تحيزات مسبقة أو أحكام جاهزة ، ومالم نتعلم أيضاً كيف نستميل هذا المحايد إلى صفنا لنريه اننا الطرف الأكثر نزاهة وشرفاً وإنسانية ، ومالم نُخرس أولئك الأولاد المراهقين الذين ينشرون تفاهاتهم وهذيانهم كالنفايات في كل أرجاء وسائل التواصل ومنتديات الفكر ... مالم ندرك ونتعلم ونفعل ذلك كله ، فلن نختلف في أي شيء عن شبيحة النظام وكلابه المسعورة وجمهوره القميء ، وسنبقى على الدوام – كالعديد ممن انبطحوا وباعوا ونافقوا – مصابين بعمى ألوان يبعدنا كل البعد عن أن نميز الخبيث من الطيب ... والباطل من الحق .

٩٩ مشاهدةتعليق واحد (١)

أحدث منشورات

عرض الكل

1 Comment


Mohammad Hashem
Mohammad Hashem
Apr 20, 2019

لن تنتصر ثورتنا ولن نبني وطننا إلا بالخلاص من جوقة إعلام المراهقين وأحداث الأسنان وسفهاء الأحلام.

Like
bottom of page