top of page
بحث

في ذكرى اليوم المشؤوم، هل وعينا الدرس؟

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣


اليوم المشؤوم

في عام 2011 وبعد أن مضت عشر سنوات بالضبط على أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر ، تفاجئ العالم بالنُصب التذكاري الذي أقامته بلدية نيويورك في نفس مكان الدمار الهائل للمبنيين التوأمين لمركز التجارة العالمي ، حيث تم إقامة حديقة مكان المبنيين ، وتم تحويل الأساسات القديمة للمبنيين المهدومين إلى بركتين كبيرتين محاطتين بالنوافير ضمن تشكيل هندسي متقن ، ناهيك عن إقامة برج جديد كلياً مجاور للحديقة بدلاً من مركز التجارة العالمي ليكون اسمه (مركز العالم الواحد للتجارة) وهو ثاني أطول برج في العالم بعد برج (خليفة) في دبيّ، ولدى المقارنة بين صورتي (قبل وبعد) اللتين تفصل عشر سنوات بالضبط بينهما ، لا بد لعشرات الخواطر أن تتوارد في أذهاننا حيال هذا المشهد ، بكل خلفياته ومسبباته وما أدى إليه لاحقاً ، وما هو عليه اليوم ، لنتناوله من كافة أبعاده الإنسانية والتاريخية والسياسية وحتى العقدية.

العبرة في الموضوع كبداية، وبغضّ النظر عمّن قام بهذا العمل الإجرامي ومن تآمر للسماح به لكي يسيء لكل العالم الإسلامي من بعده، العبرة هي في نهوض الإنسان، وتركه لآلام الماضي ليتفرغ لبناء ما هو أفضل مما خسره سابقاً! العبرة في احترام الحكومات لشعوبها وتفانيها في بناء أوطانها وخلال فترات قياسية قد نراها نحن ساكنو العالم الثالث أشبه بسرعة الضوء!

وبينما تقوم أنظمتنا العربية المتعفنة المتخمة بالفساد المادي والمعنوي بإرجاع أعظم حضارات العالم إلى العصر الحجري وجعلها في أسفل السلّم البشري، تنهض أمم أخرى لتسابق الزمن وتبذل المستحيل لخدمة ورفاهية شعوبها ومظهرها أمام باقي الأمم! بينما يقوم نظام القرداحة ومعه برابرة بيزنطة الجديدة ومستحاثات دولة فارس الساقطة بتهديم سوريا حجراً حجراً، وإهراق دماء أبناءها قطرة قطرة، تقوم أمم أخرى بمسح الركام والدمار لتبني مكانه، وخلال فترات صاروخية أيضاً! وإذ نبصر التاريخ القريب، ونرى كيف نهضت دول كألمانيا مثلاً بعد حرب مسحت عمرانها مسحاً وسوته بالأرض وقتلت نصف أبناءها، لتقود زعامة القارة الأوربية اليوم وتتفوق في اقتصادها على أقوى اقتصادات العالم كماً ونوعاً، نرى بالمقابل غيلاناً جشعة لا تريد إلا ملئ جيوبها وكروشها وفروجها، وعبيداً يبحثون عن الأصنام بحثاً بالمجهر لكي يقدموا لها فروض التسبيح والحمد، ومتذاكين يدّعون الارتقاء والتنور معتبرين كل ما عداهم حشرات أو دوابّ لا يمكن أن ترقى لعلالهم وفضاءاتهم، بينما نغرق أكثر وأكثر في الظلام!

كثيرون يعتبرون الحديث عن مدى رقيّ العالم الغربي وتفوقه مجرد مداهنة أو انقياد لهذا الغرب الذي آذانا كثيراً بالفعل، إلا أن إنصافنا لإخلاص هذا الغرب في بناء أوطانه ورفاه شعبه لا يجب أن يرتبط بنديّتنا العقائدية والوجودية إزاءه، وعندما نقول بأن دولة كالولايات المتحدة مثلاً هي دولة (عظمى) ، فلنعلم جيداً بأن العظمة هنا لم تأت من خلال أساطيلها وجيوشها وقنابلها النووية، إنما عظمتها نبعت من تصرفات كهذه التي نراها في الصورة: إرادة البناء والنهوض ، والتعبير عنها بوضوح امام العالم أجمع ، واتخاذ الخطوات الجادة المخلصة لتنفيذها وترجمتها على الأرض .

على صعيد آخر، لست أبداً من محبي الولايات المتحدة – كحكومة وسلطة وليس كشعب وفكر وبلد – ولن أتعامى أبداً عن الجرائم الشنيعة التي ارتكبوها بحق الشعوب ولا يزالون، ولكن أخبروني بالله عليكم: أي شيء أتت به أحداث هذا اليوم الشنيع على عالمنا العربي والإسلامي إلا الوبال والخراب وأنهار الدماء؟ ولو كانت الجهة التي تقف وراء هذه الأحداث – وهذا ما أشك به أساساً – جهة مسلمة، فأي خير عادت به بهذا الفعل على الإسلام والمسلمين؟ وكيف سيلقى منفذو هذا الفعل ربهم يوم الدينونة وفي رقابهم دماء كل الآلاف من الأبرياء الذين سقطوا ضحايا لهذا العمل؟ هل هم راضون الآن بعد أن شوهوا وأساؤوا لصورة مليار مسلم على وجه هذه الأرض أمام الستة مليارات الباقية؟ أليس فيمن صفق لهذا العمل من بين ظهرانينا من رجل رشيد يدرك ويعي بأن من خطط وأدار هذا العمل كان يعرف تماماً كيف يسدد طعنة قاتلة لجسد الأمة الإسلامية وأبنائها؟ ألم نتعلم الدرس بعد، لندرك بأن عدونا يستخدم مشاعرنا ضده ... لخدمته؟

لا شك بأن شحنة الاحتقان والحقد في قلوبنا كبيرة ضد الغرب الذي لطالما احتل أوطاننا في الماضي، ثم تحكم في مصائرنا فيما بعد إلى يومنا هذا، ولا شك بأنهم يريدون لنا حتماً البقاء كما نحن، أراضٍ تملؤها سحب الموت وصحاري الدمار، وشعوب متخلفة تتصارع على القوت والمأوى، إلا أنه بات يجب أن نعي تماماً ... بأن عدونا الحقيقي والأهم هو الذي يعيش بيننا ، هو هذا الجشع الذي يريد امتصاص دمائنا ، هو ذلك العبد الذليل الذي ينبطح لأصنامه ، هو ذلك المتكبر المتغطرس الذي لا يرانا أصلاً ... وهؤلاء جميعاً ، هم أذرع لنظام متكامل ليس متمثلاً في سلطة حاكمة فحسب ، وإنما في فكر تغلغل فينا جميعاً كشعوب رزحت طويلاً تحت نير التجهيل والاستعباد والإقصاء بعد أن كانت سيدة الأمم.

عدونا في الأنظمة الحاكمة التي تحكمنا، وفي أذيالها ورجالاتها من تلكم الأصناف الثلاثة الآنفة الذكر، أولئك جميعاً إن استطعنا محاربتهم، استطعنا النهوض، ونفض رماد الجهل، واستبصار انوار الوعي والحقيقة، وعندها ... وعندها فقط، سنستطيع النهوض والبناء، وستصبح لعبتنا مع الغرب لعبة الند للند، وهزيمته تحصيل حاصل.



٧٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page