top of page
بحث

25 يناير / كانون الثاني

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣


25 يناير

عجيب حقاً هو هذا التاريخ في حياتي! يوم الخامس والعشرين من يناير كان دائماً بالنسبة إليّ يوم التحولات الكبرى والانعطافات العظمى (سواءً نحو الأعلى أو نحو الأسفل)! وعلى سبيل الهرب من الشؤون العامة، والخوض في سيرة فلان وعلان، و(المحاكمات الثورية) لهذا وذاك، وهرباً من حمى التطبيل والتزمير والتشبيح والنفاق التي تغزو هذا الفضاء الرقمي اللعين ... دعوني أحدثكم قليلاً عن تجربتي الشخصية مع 25 يناير طوال سنوات حياتي الستة والثلاثين.


أهم ما يمكن أن يخطر على البال عندما نتحدث عن 25 يناير هو الثورة المصرية العظيمة التي كان انطلاقها هو الفتيل الأكبر والصاعق لانطلاق مدّ الربيع العربي عام 2011 ... بكل مااحتواه من أمل وألم، من فرح وحزن، من نشوة واكتئاب، ومن مآلات غيرت مصائرنا جميعاً بشكل لم نتوقعه أبداً. مشاعر فرحتي بانطلاق وانتصار – ولو كان انتصاراً آنياً – ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر كانت أشد فرحاً ونشوة من انطلاق الثورة السورية! فلطالما كانت الثورة السورية – رغم انضمامي إليها وانتمائي لثوارها – مصدر ألم وهم وقلق ولا تزال، أما ما حدث في 25 يناير في عام 2011، فقد كان أشبه بالحلم الجميل بالنسبة لكل عربي من المحيط إلى الخليج.


في ذات العام، وقريباً جداً من ذاك التاريخ، تعرفت على الانسانة الرائعة التي ستصبح زوجتي بعد ثلاث سنوات بالضبط، وفي نفس التاريخ كذلك! ولذلك كان 25 يناير بالنسبة إليّ يعني الحب بكل روعته وجماله، يعني دفء الأنثى المخلصة والوفية ... ذلك العالم الجميل الذي رفع من رصيد ثقتي بنفسي وانجازاتي على كل الصعد، وأجرؤ أن أقول أنني كنت قبله انساناً ما، وأصبحت بعده انساناً آخر تماماً.


في 25 يناير من عام 2014، وبالترافق مع زواجي الذي أتى في ظروف شديدة الإجحاف والبؤس والظلم، وجدت نفسي لأول مرة في بلد غريب مظلم قسى عليّ جداً ولم يرأف بحالي! ومنذ ذاك اليوم وإلى يومنا هذا لازلتُ في هذا البلد، أعيش فيه لحظات متقلبة من الشدة والرخاء، مع مستقبل مظلم لا أحد يدري إلى أين سينتهي.


عشت عامي الأول في هذا البلد وأنا (ممسحة شوارع) بكل ما تحمله الكلمة من معنى! وعانيت في عامي الأول فيه من الظلم والألم والإذلال مالم أعرفه في حياتي كلها، إلى أن شاءت إرادة الله عز وجل أن يأتيني الفرج بعد عام بالضبط، لأفوز في يناير 25 من عام 2015 بوظيفة لا بأس بها، كانت هي البداية الحقيقية لانطلاقتي في هذا البلد، ومنذ ذاك الوقت، ورغم أن لحظات قاسية جداً قد مرت علي بين الحين والآخر، إلا أنني فعلاً انطلقت نحو القمة، ولم أعد أبداً منذ ذاك التاريخ إلى القاع المظلم الذي تخبطت فيه أثناء عامي الأول.


في 25 يناير 2018 ، كنا على بُعد خمسة أيام فقط من ميلاد ابني الثاني (أمير الدين) ... صديقي الصغير المشاغب الذي أضاف بعداً أعمق وأجمل لكل حياتي كما فعلت أمه، وكما فعل أخوه الأكبر (حسنُ الدين). هؤلاء الثلاثة هم اسرتي الصغيرة الجميلة، وأعز وأغلى ما لديّ في الكون كله.


وقرابة الـ 25 من يناير من عام 2019، كانت الإنطلاقة الحقيقية لمشروعي الحالي الذي حمل خلاصة حياتي كلها، مشروع (مؤسسة أفــق) الذي لازلت أديره وأعمل فيه إلى لحظة كتابة هذه السطور. ذاك المشروع الذي عشت فيه ومعه أفراحاً وأحزاناً، ونشوة وخيبة، وعرفت فيه مالم أعرفه من خبرات طوال حياتي كلها ... وأعني هنا خبرتي في الحياة، وخبرتي في نفوس البشر، وحقيقة الانسان، وما يمكن أن يفعله جشع الانسان ولؤمه وانحطاطه.


في نفس التاريخ بعد ذلك بثلاثة أعوام، بدأت تحاك خيوط مؤامرة قذرة لتدميري وتدمير مؤسستي هذه، والأدهى أن مدبري هذه المؤامرة كانوا بالنسبة إليّ آنذاك من أقرب المقربين، ومن أكثر الرجال الذين كنت أحبهم وأحترمهم وأجلّهم، لأفاجئ بعد فترة بما يحيكونه ضدي، ولأعرف – آسفاً – كيف ردوا محبتي وإخلاصي وحسن نيتي ... لؤماً وخسة ونذالة. ورغم ألم الطعنة، وهول المؤامرة، إلا أنني تمكنت – بفضل الله تعالى – من التغلب عليها وعليهم، وها أنا إلى اليوم صامد صاعد ناجح نكاية بهم وبكل حاقد.


واليوم ... وبعد كل هذه الأحداث المهولة، يبقى تاريخ 25 يناير كانون الثاني تاريخاً استثنائياً ... بكل مافيه من ذكريات حلوة ومرة، وبكل ما يخبئه من مفاجآت قد يكون فيها الكثير من الصدمات والأهوال، إلا أن مجرد نشوة يقيني أنني مازلت هنا ... أنني مازلت بخير ... أنني مازلت قادراً على الكلام والكتابة والتعبير ... مجرد هذا يكفيني.

٣٣ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentarios


bottom of page