top of page
بحث

الضربة العسكرية ضد نظام الأسد ... تداعيات اقتصادية

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

الضربة العسكرية ضد نظام الأسد

بعد التصعيد الأخير في ملف الحرب السورية، والذي أسفر عن ضربة عسكرية ثلاثية الأطراف ضد نظام الأسد نتيجة لاستخدامه أسلحة محرمة دولياً ضد المدنيين، يبدو أن العالم بأسره بات يشهد تداعيات اقتصادية هائلة تعدت الشأن السوري نفسه، وإن لم تنفصل عنه من ناحية السبب المباشر.

فماذا عن العواقب الاقتصادية لتصاعد الحرب في سوريا؟ بمراجعة سريعة للتاريخ القريب، سنجد أن الحرب السورية اندلعت وسط ظروف بالغة التعقيد منذ سبع سنوات حتى اليوم، حيث أدت ثورات الربيع العربي إقليمياً إلى تفجير الحنق الداخلي المكبوت ضد بشار الأسد – ونظام عائلة الأسد بشكل عام – والذي قام لفترة طويلة بتزوير الانتخابات وقمع الحريات ونشر الفساد، وتمت إدانته من قبل الأمم المتحدة بتهمة ارتكاب جرائم حرب بسبب وحشيته الشديدة في قمع الانتفاضة الشعبية ضده، ومنذ ذلك الحين حاول ائتلاف غير مستقر من الحركات المتناقضة أن يطيح بالأسد، ولكن الأمر أدى بشكل أو بآخر إلى ما بات يشبه الحرب الأهلية.

فراغ السلطة الذي أعقب كل ذلك هو ما سمح لحركات إرهابية متطرفة كتنظيم الدولة بتحقيق مكاسب على الأرض، وهذا ما كان ذريعة للقوى الغربية لكي تتدخل أساساً في سوريا. واليوم بعد شن الغارات الجوية على من كانوا أعداءً للأسد، انتقل الغرب الآن للتصرف ضد الأسد نفسه! ففي نهاية هذا الأسبوع المنصرم، استجابت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للأدلة الواضحة التي تثبت تورط النظام السوري بشن هجمات كيماوية في مدينة دوما في غوطة دمشق، حيث نفذوا غارة جوية منسقة على عدة مرافق عسكرية حيوية تابعة لنظام الأسد، وأكدت قوى التحالف أن أهداف الغارة قد نفذت بدقة بعد ذلك.

وبغض النظر عما يحدث في أعقاب ذلك، فإن هذه الحرب السورية تمثل بالفعل مأساة إنسانية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وفكرية قبل أن تكون سياسية. إذ قتل ما يزيد على 700 ألف مدني حسب احصائيات الأمم المتحدة، مع نزوح ما يقدر بنحو 13 مليون شخص – ما يعني أكثر من نصف عدد سكان سوريا تقريباً - وبالطبع تم القضاء على الاقتصاد السوري أيضاً، فقد كلف الضرر المترتب على البنية التحتية المدمرة والنمو المفقود أساساً في سوريا نحو 226 مليار دولار- وذلك وفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2017 - وهو مبلغ يعادل عدة مرات إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2011. تستطيع من خلال كل تلك الحسابات أن تعتبر أن ما يزيد على ثلاثة أرباع السوريين ضمن سن العمل يعانون من البطالة، وهو ما يؤثر بشكل كبير على المهارات والخبرات، مما يؤدي إلى انخفاض النمو في المستقبل. كما أن انهيار المرافق الأساسية والقطاع الصحي له عواقب مدمرة، حيث مات بسبب المرض والفشل في الخدمات الطبية أكثر مما مات بسبب حالات القصف والأنشطة العسكرية الأخرى، وذلك حسب إحصائيات البنك الدولي أيضاً.

إن كل الأسباب والتداعيات المفروضة على عقول المستثمرين الدوليين تتلخص في التأثير المحتمل للغارات الجوية الغربية، وما يمكن أن تترتب عليه من أعمال عنف متصاعدة في منطقة الشرق الأوسط ككل على الأسهم والسندات والعملات، فهل يمكن أن تؤدي أحداث نهاية هذا الأسبوع إلى انهيار السوق، وإلى تغيرات اقتصادية جذرية فعلاً؟ حقيقة الأمر أننا نعيش في عالم يتم فيه التحكم بالأسواق العالمية إلى حد كبير من قبل البيت الأبيض، إذ يتم الآن دفع بلايين الدولارات من الصفقات اليومية بسبب تصريحات ترامب (التويترية) بشأن التعريفات الجمركية ضد الصين، والعقوبات ضد روسيا، ومؤخراً فيما يتعلق بتفكيره في الضربات الجوية ضد نظام الأسد.

وعلى سبيل المثال، في يوم الأربعاء الماضي عندما أشار الرئيس الأمريكي في تغريدة إلى أن هجوماً صاروخياً وشيكاً يجري تحضيره على سوريا، انخفض مؤشر (داو جونز) للأسهم الصناعية الأمريكية بمقدار 220 نقطة، أما في اليوم التالي بدت تغريدات ترامب الجديدة أقل حماسة، حيث قال في إحداها: "يمكن أن تكون الضربة قريبة جداً أو ليست قريبة جداً!" فعادت مؤشرات الأسواق إلى حالها السابق مرة أخرى. وتبقى حقيقة أن تلك الضربة الجوية أتت في وقت يحاول فيه المستثمرون بالفعل أن يرسموا أسعارهم في نطاق محير من أجزاء السياسة المتحركة البالغة التعقيد! مثلاً فقد ناقش الرئيس الأمريكي أيضاً في الأسبوع الماضي خطط تخفيض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية للمنتجات - بما في ذلك السيارات - ومن الواضح أنه تطور إيجابي، وأظهر محضر اجتماع اللجنة المسؤولة عن السوق المفتوحة التابعة لمجلس الاحتياطي الاتحادي أن الأعضاء جميعهم يرون أن الاقتصاد الأمريكي ينمو بوتيرة قوية، لكنهم قلقون بشأن التضخم أيضًا، وهذا يجعل معدل الفائدة يكبر أكثر وأكثر على الأرجح.

والآن بالنظر إلى الشرق الأوسط من بعيد، فإن العديد من المتداولين – الذين كانوا إلى فترة قريبة لا يعرفون موقع سوريا على الخريطة أصلاً - يجب أن يأخذوا جدياً وضع سوريا بعين الاعتبار عند إجراء حساباتهم الاستثمارية، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار دور كل من اللاعبين الدوليين والاقليميين في هذا الصدد. فما الذي يريده الروس حقاً، بصرف النظر عن الوصول إلى موانئ المياه الدافئة السورية وإقامة القواعد العسكرية فيها؟ هل يمكن تهدئة هذه الحالة المتشابكة دون مساعدة موسكو بالنظر إلى نفوذ روسيا الكبير في دمشق؟ هل ستفعل إيران - تلك الوسيط الإقليمي الآخر - ما تتوعد به من أنشطة ضد دولة الكيان الإسرائيلي مثلاً؟ أليست هذه الحرب حقاً تتمحور حول مخططات بناء خطوط أنابيب النفظ والغاز المتنافسة التي يرعاها مصدرون متنافسون في الخليج لنقل الغاز عبر سوريا إلى أوروبا؟ هل هذا هو السبب الحقيقي في أن موسكو تتدخل محورياً، لأنها - وبصفتها المورد الرئيسي للغاز في أوروبا - لا تريد أن يتحرك الغاز الخليجي عبر سوريا؟

عموماً يقول قدامى (المحاربين) في مجال التجارة بأن الضربات العسكرية عادة ما يكون لها تأثير محدود على السوق، وذلك على الرغم من كل القلق الدبلوماسي والدمار البشري. هذا صحيح فعلاً، ولكن هذه الأزمة السورية بشكل عام يمكن أن تمثل نقطة تحول بالذات لسوق النفط عالمياً. فقد شهدت التصعيدات العسكرية الأسبوع الماضي ارتفاع خام برنت فوق مستوى 72 دولار - وهو أعلى مستوى له منذ عام 2014 – وبالرغم من أن سوريا ليست منتجًا رئيسيًا للنفط، ولكن من الواضح أن تأثيراتها على المنطقة المحيطة بها – التي تعد من أغنى مناطق العالم بالنفط – بات تأثيراً حاسم الأثر على سوق النفط العالمي. كما تريد السعودية بدورها أن يرتفع سعر النفط قبل أن تبيع حصتها الحكومية من شركة (أرامكو) العملاقة للطاقة في العام المقبل، ومع تزايد فواتير الرفاه الاجتماعي وتقلص الاحتياطات النقدية باتت الرياض بحاجة إلى المزيد من الأموال، لذلك - وإذا ما تسببت الضربات على سوريا في زيادة أسعار النفط - يمكن للسعوديين وقتذاك أن يركبوا هذه الموجة بنجاح تام باستخدام تكتل المصدرين في منظمة أوبك من أجل زيادة الحد من الإمدادات ودفع أسعار النفط إلى الأعلى.

بشكل عام يمكن لنا أن نعتبر أن الضربة العسكرية الأخيرة ضد نظام الأسد قد أحدثت خلخلة كبيرة في الاقتصاد العالمي بكل إرهاصاتها ونتائجها، شأنها في ذلك شأن كل الأحداث المفصلية والأسباب القريبة والبعيدة المتعلقة بالحرب السورية منذ سبع سنوات حتى اليوم. تبقى سوريا – أرضاً واقتصاداً وشعباً – هي الخاسر الوحيد وسط كل هذه السجالات السياسية الاقتصادية التي تنهش في الواقع والمصير السوري منذ سنوات سبع، دون أي اعتبار للإنسان السوري، وبلا أي خطة حقيقية لاستنقاذ هذا البلد الأصيل العريق من ظلمات الديكتاتورية والفساد والحروب التي علق فيها منذ أكثر من نصف قرن حتى يومنا هذا.

٣ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page