![أفغانستان الجديدة](https://static.wixstatic.com/media/d6955d_cc820107734f44278f4cb0e2d0b19712~mv2.jpg/v1/fill/w_700,h_394,al_c,q_80,enc_avif,quality_auto/d6955d_cc820107734f44278f4cb0e2d0b19712~mv2.jpg)
إلى الآن لم أكتب أي شيء عن موضوع (الترند) الأفغاني إياه، ربما لأنني لم اتخذ حتى اليوم موقفاً حاسماً مما يجري، وربما لأنني ازداد يوماً وراء يوم تمرداً على (التدجين) الإعلامي والعقائدي والفكري الذي تمارسه علينا كل الأطراف من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار، وربما لأنني – ببساطة – قرفت من كل ذلك!
وعلى كل حال، ومع يقيني بأن كلامي – في معظم الأحوال – لا يطاق (هذا إن سمعه أحد أصلاً)، وجدت نفسي مدفوعاً لطرح الأفكار التالية حول هذا الموضوع:
أولاً: لقد بات من الممل والسخيف والمكرر أن نقول بأن الأمريكان لا يعملون بمنطق ردّات الفعل والاعتباطية السياسية والاستجابة لغوغائية الجماهير. خطوة الانسحاب هذه وما تلاها لم تأت من فراغ، بل وأجرؤ على القول بأنه تم التخطيط لها منذ اليوم الأول لدخول أفغانستان! ما السبب؟ وما الهدف؟ ليس من الضروري أن نعرف في الوقت الحالي على الأقل.
ثانياً: لا يخفى على أي عاقل أن هناك مخططاً (جديداً قديماً) يحاك للمنطقة بأسرها، وتمكين طالبان من العودة لحكم أفغانستان هو جزء من هذا المخطط قولاً واحداً، ولو لم يرد أصحاب هذا المخطط أن تعود طالبان للحكم لما ضُربت طلقة واحدة حول كابول! ولنا فيما حدث بسوريا خلال السنوات العشر الماضيات عبرة ومثال.
ثالثاً: سردية الجهاد الصادق والنصر الإلهي والوعد الحق جميلة وحلوة ونتمنى جميعاً أن تتحقق، ولكن في خضم المستنقع السياسي العفن الذي يعيشه العالم كله – والذي من المؤكد أن طالبان جزء منه – لا مكان للنصرة السماوية لأننا لا نستحقها (جميعاً بلا استثناء) القاعدة الوحيدة اليوم هي الصفقات السياسية والمؤامرات التي تحاك في الغرف المظلمة والتمثيليات التي تنفذ للضحك على الشعوب ولإشغال الرأي العام ولتحريك (الصناعة) الإعلامية المزدهرة.
رابعاً: النموذج الذي قدمته طالبان اليوم في إعادة السيطرة على البلاد – وعلى العاصمة تحديداً – هو نموذج جيد بلا شك، على الأقل من الناحية الأمنية والتنظيمية، وهو نموذج افتقرنا إليه للأسف في كل معاركنا الدونكيشوتية خلال ثورات الربيع العربي أو حتى ما سبقها من ثورات.
خامساً: ليس لديّ أدنى شك بأن طالبان اليوم مختلفة تمام الاختلاف عن طالبان ما قبل 20 أو 30 سنة، طالبان اليوم تعلمت الدرس وتخضرمت في السياسة وتماهت مع النظام العالمي، ولو لم يتم المصادقة على هذا الأمر من الولايات المتحدة الأمريكية أولاً ومن كل الدول المجاورة ثانياً لما حلمت طالبان بالسيطرة على شبر واحد من البلاد. وعليه، فإن من يظن بأن أفغانستان الطالبانية الجديدة ستكون وكراً ومفرخة لجماعات المجانين كما كانت قبل 30 عاماً، هو شخص واهم جداً.
سادساً: اللباس الشعبي المحلي لم ولن يكون يوماً معياراً للحكم على تحضر جماعة أو فكر أو شعب! استخدام أزياء وملابس طالبان – وهي الزي الشعبي الرسمي للأفغان – للحكم عليهم هو استدراج إعلامي رخيص، وتدجين واضح للفكر والرأي العام العالمي باتجاه مسار معين (ناهيكم عن ربط الدين الإسلامي ككل بهذا الزي عالمياً، وهو مخطط خبيث آخر).
سابعاً: تصوير الجموع المحتشدة في المطارات على أنها معيار لهلع الشعب الأفغاني من (الغول) القادم هو تلاعب إعلامي رخيص ومكشوف ولا يخفى على كل ذي فهم! تلك الجموع لا تمثل ولا حتى 1% من الشعب الأفغاني! هؤلاء إما مطلوبون بشكل مباشر لطالبان بسبب تصفية حسابات قديمة، أو مجرد حالمين بطريق سهل للوصول إلى بلدان الغرب (المتحضر) وما أكثرهم في أفغانستان. أما القول بأن هؤلاء هم أفغان أبرياء فارون من (الوحش الطالباني) فهذا كذب واضح! بالمقابل يقيني الشخصي بأن طالبان لم تكن لتصل لما وصلت إليه لو لم تكن هناك قاعدة شعبية ضخمة لها في معظم المدن والأقاليم الأفغانية. والله أعلم.
ثامناً وأخيراً: موقفي الشخصي من طالبان الجديدة مقترن بشيء واحد فقط، وهذا الشيء لا يحدده مقدار تدينها أو علمانيتها أو انفتاحها أو تمسكها بشريعة معتدلة أو متشددة، موقفي من طالبان الجديدة لا يعنيني فيه علاقتها مع الصحافة والمرأة والتدخين والكوكاكولا وتحطيم التماثيل، موقفي منها مقترن فقط – وفقط - بموقفها اليوم من كل الدول التي تحتل بلادي سوريا وتتلاعب بها وبمصير شعبها ومقدراتها ومستقبلها وتمنعها من الحرية الحقيقية والاستقلال الحقيقي والنهضة الحقيقية.
وفهمكم كفاية ... وكفانا نقاشات بيزنطية لا تسمن ولا تغني من جوع.
Comments