top of page
بحث

لوحة ..!

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣



لوحة

كالخارج من زخم المعركة الأخير... تائهاً كعبق البارود المتغلغل في نسمات الفجر اليتيم... كنظراته الجوعى إلى لحظة فجر ... لحظة نصر!

ململماً شظايا وعيه التائه ... مستعيداً احساسه بالزمان والمكان ... ينهض من بين الركام ... فينيقاً جباراً مبعوثاً للتو من بين براثن الجحيم ... وروحاً قلقة مشتعلة ترنو إلى آفاق لم يدركها من قبله بشر ...

قبل قليل ... قبل ثوان فقط .... كانت تلكم اللوحة القاتمة ملآى بالبشر ... أم هل كانوا أشباه بشر؟ وحده فقط ... كان ملاكاً حارساً بينهم! كان النقيض لكل حقدهم وجشعهم وشهوتهم للدم والدمار ... وحده فقط ... كان شعلة النور الوضاءة في مواجهة ظلامهم القاتم الغازي...

وفي ثوان تغير كل شيء ... وغابوا عن عالمنا إلى غير ما رجعة ... ليبقى هو وحده ... كما الحق الراسخ أبداً في مهب أعاصير الطغيان.

لا ... لم يكن بطلاً خارقاً ... لم يكن فارساً غضنفراً ... لم يكن عنترة ولا هرقل ولا جيمس بوند ولا حتى باتمان!

كان عادياً ... وعادياً جداً جداً!

لم يكن يملك إلا شيئين في مواجهتهم: بندقيته الكسيحة العجوز، وإيمان جبار في قلبه الرقيق الجميل الذي أشبعته الأيام جراحاً... وسهاماً لا ترحم!

ولأنه عادي ... وعادي جداً ... كان إلى جانب الحق أقرب، ومن الطواغيت الجبابرة أبعد! لأنه عادي ... كان صوت الحق أكثر جلجلة في فؤاده ... ونور اليقين أكثر إبهاراً في يقينه ...

لأنه عادي ... لأنه الباقي الوحيد ... لأن الجميع هرب، وخذل، وترك، وتخلى، وباع، وانجرف مع ألف تيار وتيار ... لأنه الوحيد الذي أصغى لهمس التراب: أنْ لم يبق لي سواك ... فاثبت!

لأنه كذلك ... اختار الوقوف امامهم في هذه اللوحة المغبرة العابقة بريح الموت...

ولأنه كذلك ... انتصر ... وهزموا ... ونهض من تحت رماد المعركة متألقاً وضاءاً شامخاً ... كما كلام الله وحكمه في دساتير الكون الأزلية ...

وبينما ينفض عن نفسه غبار المعركة في تؤدة، يرسل الفجر إليه قبلات الضياء رويداً رويداً ... ويرافقه في مسيره المتعثر الجريح المنهك ... نحو غد لطالما رسمه في خياله المشاغب الذي لا يهمد ... نحو فجر أخر ... مطل على لوحة أخرى ...لوحة لا مكان فيها لسوداوية الدمار، ورعب المعركة، وكابوس الموت! لوحة فيها حدائق غناء ذات بهجة، ومبان شاهقة ذات هيبة، وأطفال سعداء لا تكاد الدنيا تسع لأحلامهم العظيمة... لوحة تحمل عنواناً واحداً منيراً وضاءاً قدسياً ... لوحة اسمها .... الوطن.


٢١ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page