![العنصرية](https://static.wixstatic.com/media/d6955d_0da06f88254046deada049c3cc4e4f69~mv2.jpg/v1/fill/w_768,h_512,al_c,q_85,enc_avif,quality_auto/d6955d_0da06f88254046deada049c3cc4e4f69~mv2.jpg)
يبدو بأن قدر السوريين هو أن يعيشوا المعاناة في كل مكان بلغوه ضمن أرجاء هذه الأرض الواسعة – باستثناء بعض الأماكن طبعاً – إلا أن هذه المعاناة تتجلى في أوضح وأقسى صورها ضمن البلدين الجارين اللذين يضمان حتى الآن أكبر عدد من السوريين: تركيا، وسوريا نفسها.
ففي سوريا يغني الوضع عن أي حديث أو وصف أو استطراد، أما في تركيا التي تضم 4 ملايين سوري – وهو ما يعادل تقريباً خمس الشعب السوري بأكمله – فقد وصلت الأمور إلى حد لا معقول من تصاعد التضييق المعيشي والخطاب الشعبوي العنصري، بل والعنف أحياناً ... كما حدث يوم أمس في العاصمة التركية أنقرة.
وكملاحظات سريعة استقيت معظمها من الصديق (إبراهيم كوكي) على الفيسبوك، وجب التأكيد على النقاط التالية:
ما يحصل نتيجة متوقعة بسبب تحريض عنصري مستمر ويظهر على الملأ دون أدنى وجود لقانون رادع.
لا فرق بين أسوأ تحريض وتصريح عنصري، وبين تصريح (دفعنا على السوريين 6 مليار)
منذ عام 2019 وبتصريح رسمي من شخصية رسمية في اجتماع مع الإعلاميين، قيلت الجملة التالية: (انتهى زمن المهاجرين والأنصار)، طبعاً هذه المسألة واقعياً كانت منتهية، ولكن هنا قيلت بتصريح رسمي.
ما يحدث (وسيحدث) هو نتيجة سياسة مستمرة وتصاعد أحداث، وليس نتيجة حدث بعينه ولا ردة فعل على حدث أو خطأ.
التحريض العنصري يأخذ أسوأ وأحقر أبعاده حين يصدر من (السوري) نفسه تحت عبارة: (أخطاء السورين)! فأخطاء السوريين موجودة، إلا أن التعامل معها لا يكون بهذا الشكل، وهي حتماً لا تتناسب مع التضخيم الإعلامي والشعبي المغرض الذي تصور به.
الدولة تملك الإعلام والقانون والقضاء والأجهزة التنفيذية والقضائية والتشريعية، ولديها موارد ضخمة، وبالتالي تتحمل المسؤولية بشكل كامل عن كل ما يحدث.
لا يوجد قانون في العالم يعطي صفة (ضيف) لأي انسان! هذا المصطلح اختراع للضحك على عواطف البسطاء، فاللاجئ له توصيفه القانوني، والمقيم له توصيفه القانوني، والمواطن له توصيفه القانوني، ولا يوجد لاجئ يحمل مسؤوليات مواطن ويُعطى ميزات مقيم مؤقت! هذا خلط عجيب.
متتبع تويتر وساحات النفث العنصري على وسائل التواصل يدرك أن الحديث كله لا يدور حول الشواطئ والأراكيل المزعومة، بل يدور حول معزوفة الـ ( 6 مليار دولار التي ندفعها من جيوبنا لهؤلاء اللاجئين ودولتنا التي تدفع لهم آجار البيوت وفواتير الكهرباء) وهي كذبة شنيعة يصدقونها وتستفزّهم.
من المستفزّ أيضا أصحاب مقولات (التهدئة وضبط النفس) الموجهة بالعربية للسوريين! السوريون اليوم لا يجرؤون على مد رؤوسهم خارج النوافذ، بيوتهم وسياراتهم ومحلاتهم ترمى بالحجارة ويتم تخريبها وتكسيرها، الأطفال يضربون حتى تسيل دماؤهم، لا يجرؤ أحدهم على رفع رأسه، ونحن البعيدون عن الحادثة آلاف الاميال نمشي في الطريق قرب الجدران متوقعين هجوماً في اية لحظة! ثم تأتي وتكلّمنا (نحن) عن ضبط النفس ؟! تكلّم الطرف الذي لا يملك أن يفتح فمه ؟!
وبعد كل هذا السرد ولاستعراض المؤلم، ما لذي يمكن عمله؟ ما هو الحل لو كان هناك حل؟ وهل يمكننا كسوريين عمل أي شيء إزاء هذا الواقع المقيت المظلم في بلد اضطررنا رغماً عنا أن نهرب إليه فراراً بأطفالنا وأزواجنا وأرزاقنا من بطش نظام الأسد وشبيحته ومجرميه؟
ربما نحتاج اليوم أن نتكاتف كسوريين فعلاً بعد عقود طويلة من الفرقة والأنانية والجهل، أن نتنظم ونتحرك كيد واحدة ورجل واحد وهدف واحد وصوت واحد، ما نحتاجه اليوم هو وقفة جادة من كلّ سوري يتقن اللغة التركية، ووقفة جادة من كلّ سوري يحمل الجنسية التركية، ووقفة جادة من كل القائمين على العلاقات السوريّة التركيّة من جمعيات ومؤسسات وكيانات، بعيداً عن أي مصالح أو انبطاح أو ممالئة.
علينا جميعاً الضغط بكل ما نملك من جهد وثقل على الرأي العام التركي الشعبي والحكومي، وذلك لتحصيل أشياء بسيطة جداً! أهمها أن نمنح أوضاعاً قانونية ورسمية محلياً ودولياً، أن تتم معاملتنا كبشر، أن يتم الكف عن الكذب على الشعب التركي من كل الأطراف، وأن يتم تجريم استخدام السوريين كورقة في الانتخابات والمناكفات السياسية الداخلية لا سلباً ولا ايجاباً، لأن مؤدى الخطابين واحد في آخر الأمر.
كما يجب أن يتم تشريع قوانين صارمة ضد العنصرية بكل أنواعها، وتوفير خطّ ساخن للشكايات على أيّة ممارسة عنصرية ولو لفظية، وأن يكون الخط باللغة العربية. وأيضاً وضح حدّ للقوانين الغبية التي لا تمنح للإنسان السوري أيّ حق بأيّ شيء، وتكرّس وتزيد من الضغوط الحياتيّة عليه، فإما أن يبقى بصفة مواطن أو بصفة لاجئ، أو يتاح له الخروج الى بلاد الله الواسعة بعيداً عن كل هذا المقت والظلام والحصار.
Comentarios