top of page
بحث

ما الذي تعنيه سوريا بالنسبة إلى ترامب؟

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش

ما الذي تعنيه سوريا

حتى لا ندخل في مقدمات طويلة لا طائل منها، دعونا نقلها وبصريح العبارة: إنه الاقتصاد! الاقتصاد ولا شيء سواه هو الكلمة الوحيدة التي ترتسم في مخيلة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (دونالد ترامب) عند الحديث عن سوريا في أروقة البيت الأبيض وردهات السياسة العالمية. فشخصية رجل الأعمال الحذق لا زالت هي المسيطرة على كل توجهات السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الجديد، وليست سوريا – المشتعلة أساساً – باستثناء عن هذه القاعدة التي بات ترامب يعامل بها العالم أجمع منذ توليه سدة الحكم خلفاً لباراك أوباما الذي لم تتسم فترة ولايتيه الاثنتين بالحزم تجاه الأحداث العالمية الملتهبة.

ترامب الذي لوح منذ فترة برغبته (الشديدة) في إنهاء الدور الأمريكي ضمن الصراع السوري المحتدم، وعاد وصرح بعد أيام بأن قواته مستعدة للبقاء في سوريا، ولكن (على دول الخليج أن تدفع ثمن ذلك)! ترامب الذي لم يتوقف لحظة منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة عن التفنن في ابتزاز واستنزاف الثروات الهائلة لدى دول الخليج العربي – وعلى رأسها السعودية – كان يعرف تماماً ما يتحدث عنه، فقد لوح برغبته في الانسحاب مما يراه (حرباً غير مجدية) في سوريا، مما أثار رعب الأنظمة الحاكمة في دول الخليج العربي التي لازالت تراهن على الوجود الأمريكي في سوريا، والذي يصنع معادلاً موضوعياً متوازناً مع روسيا وعدوهم التقليدي الجديد (إيران)، فسارعوا إلى واشنطن لاسترضاء الرئيس الملياردير الذي أعلنها صراحة – كعادته – ودون أي مواربة: عليكم أن تدفعوا الثمن!

في الأساس، بدأ التدخل الأمريكي في سوريا في أواخر عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما بذريعة محاربة تنظيم الدولة الذي وصل إلى قمة سيطرته في منتصف عام 2015، ولم تكن الرؤية الأمريكية بخصوص سوريا واضحة تماماً في تلك الفترة، كما لم يكن الوجود الأمريكي مترسخاً تماماً كما هو الحال عليه اليوم، وإنما اقتصر على مجرد كونه جزءاً من (التحالف الدولي) لمحاربة تنظيم الدولة، من خلال بضعة ضربات جوية كانت تنطلق أصلاً من القواعد الأمريكية في تركيا والعراق ودول الخليج. ولم تكن سياسة أوباما تجاه سوريا تتسم بالحزم والصرامة بالرغم من كل تصريحات الإدارة الأمريكية (النارية) وقتذاك تجاه نظام الأسد وإجرامه اللامحدود بحق الشعب السوري، كما لم تكن المكاسب الاقتصادية واضحة تمام الوضوح بالنسبة إلى الولايات المتحدة ضمن الأراضي السورية.

وصول دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي انعكس بالكثير من التغيرات على الساحة السورية المشتعلة. في الأساس وقبل كل شيء عمل ترامب أقصى جهده للطعن في سياسة أوباما وإدارته في كل شي من أصغر الأشياء إلى أكبرها بما في ذلك الملف السوري، وقد اتهم ترامب أوباما في كل مناسبة بأنه سبب ما وصلت إليه سوريا من أوضاع مأساوية وتحولها إلى مغناطيس (للإرهاب) في كل العالم، بل وإنه ذهب إلى أبعد من ذلك باتهامه لأوباما صراحة بأنه هو من أنشأ تنظيم الدولة وهو الذي سمح له – بسياسته الخرقاء – بالوصول إلى ما وصل إليه.

عموماً لم يضيع ترامب وقته أبداً، إذا قرر نقل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا نقلة نوعية واضحة، والسبب سنعرفه الآن حالاً. بدأ عهد ترامب في سوريا بدعم لا محدود لما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية) التي تشكل الميليشيات الكردية – التي تدين بالولاء أصلاً لحزب العمال الكردستاني الإرهابي – عمودها الفقري مع تشكيلة واسعة من الأقليات والعشائر العربية شرق سوريا. وبذريعة محاربة تنظيم الدولة تمددت تلك الميليشيات – ومعها الجيش الأمريكي – ضمن مساحة مرعبة وصلت اليوم إلى حوالي 23% من مساحة سوريا بشكل عام وفي القسم الشرقي الغني بالنفظ والغاز، ومع هذا التمدد بدأ الوجود الأمريكي في الأراضي السورية يتخذ شكلاً مادياً ملموساً بإقامة قواعد عسكرية ثابتة ضمن تلك المناطق تجاوز عددها 10 قواعد حسب مصادر مختلفة.

فمالذي أحدث هذه النقلة النوعية في كثافة ورسوخ الوجود الأمريكي في سوريا بعد أن انتهت – أو كادت – الحجة الرئيسية لهذا الوجود ألا وهو تنظيم الدولة؟ بنظرة بسيطة إلى خارطة توزع حقول النفظ الغزيرة في الشرق السوري، سنشاهد التطابق (المذهل) للتواجد الأمريكي في سوريا بالقرب من هذه الحقول، سواءاً أكان ممثلاً بعميلهم المدلل المدعو (قوات سوريا الديمقراطية) أو بالوجود الصريح لقوات أمريكية بكامل عدتها وعتادها. لقد قرر ترامب بعقلية التاجر الأريب أن يستفيد اقتصادياً من التواجد الأمريكي في سوريا لأقصى حد بالسيطرة على منابع النفظ البكر فيها قبل أن تسبقه إليها كل من روسيا وإيران – وحتى الصين ربما – بل وإنه جعل قواته ترد بقسوة وحزم على بعض الميليشيات الروسية التي حاولت التقدم تجاه حقل (العمر) في دير الزور، فقصفهم وأنزل فيهم خسائر فادحة وسط صمت روسي مريب أكد للجميع أن ترامب سيدافع بوحشية عن احتكاره لحقول النفط في سوريا ضد أي سيطرة أخرى حتى ولو كانت سيطرة نظام الأسد الذي لم تتوقف روسيا وحلفاؤها في كل مناسبة عن تسميته (نظاماً حاكماً شرعياً) للبلاد.

ومع تزايد الضغط ضمن إدارة ترامب ذاتها مترافقاً مع تذمر شعبي أمريكي من التواجد الأمريكي في سوريا، ومع عدم جدوى الحجج الواهية التي يطرحها ترامب مبرراً بقاء – بل تزايد – قواته في سوريا بالرغم من انقراض تنظيم الدولة، لم يعد أمام ترامب إلا إيجاد مبرر قوي مغلف بواجهة مغرية من المكاسب الاقتصادية لاستمرار بقاءه في سوريا، فكان أن لعب تلك اللعبة المزدوجة بتصريحه برغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا، في الوقت الذي كان الوجود الأمريكي يزاد رسوخاً يوماً وراء يوم في تناقض عجيب بين تصريحات الرئيس والواقع الحقيقي، الأمر الذي انكشف لاحقاً بتصريح ترامي علانية وأمام العالم أجمع: إذا بقيت القوات الأمريكية في سوريا فعلى دول الخليج أن تدفع الثمن! وإذا ما شاهدنا التمدد السرطاني المرعب للقواعد العسكرية الأمريكية في الشهر الأخير بالذات، سنعرف أن دول الخليج قد دفعت هذا الثمن فعلاً ودون أي تردد.

يبدو فعلاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لوجود عسكري طويل الأمد – وربما دائم – في الأراضي السورية، ويبدو أن ترامب سيحقق من هذا الوجود مكاسب اقتصادية هائلة لم تكن لتخطر على بال أي رئيس قبله، بدءاً من السيطرة على منابع النفط السوري، مروراً بصفقات الأسلحة الأمريكية المتزايدة لدول الجوار، وانتهاءاً بابتزاز دول الخليج العربي التي لم يتوان ترامب في أكثر من مناسبة عن وصفها بـ (البقرة الحلوب) والتي من الواضح أن ترامب سيستثمر القضية السورية شر استثمار لكي يحصل أكبر قدر ممكن من (الحليب) بسببها وبذريعتها.

٦ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page