top of page
بحث

هوس الألقاب، ومرض (الأستاذية)!

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش
أستاذ

 

تطالعني في اليوم عشرات الإعلانات والمنشورات والمقالات والفيديوهات لأشخاص يصرون – وبشدة - على أن يسبق اسمهم لقب (الأستاذ) وكأن ذكر اسمه مجرداً يرقى إلى مرتبة الاهانة أو العيب أو حتى الحرام! وهي عادة عجيبة جداً لن ترى – صديقي القارئ – مثيلاً لها في أي مكان في العالم وبأي لغة أخرى أو لدى أي شعب آخر!

 

منذ زمان طويل يفاجئني – ويغيظني في آن معاً – هذا الكم الهائل من عشق الذات والأنا المتضخمة لدى طبقة معينة من أنصاف المتعلمين / المسؤولين / الناجحين / المشهورين في (منطقتنا العربية) وفي بلدنا سوريا تحديداً ! كلمة (أنصاف) هنا لم تأت من باب المكايدة أو الاستصغار أو التقليل من شأن أي أحد ... إنما هي توصيف حقيقي وواقعي لابد من أن نتفق عليه عندما نناقش هذه الحالة المرضية من عشق الذات وجنون حب الظهور والتعالي على الآخرين.

 

هل ارفاق وصف (الأستاذ) هو ما سيعطيك أهمية في أنظار الناس؟ ما معنى كلمة (الأستاذ) وما أهميتها أصلاً؟ وماذا يجب أن أفهم إذا رأيت اسمك مسبوقاً بها؟ هل أفهم أنك أعلى مني بدرجة؟ أم درجتين مثلاً؟ ومن هو الذي منحك هذا اللقب؟ جامعة؟ معهد؟ هيئة حكومية؟ وحي من السماء؟ أم ماذا بالله عليك؟

 

والحقيقة، أن رجال العلم الحقيقيين، والرجال (المحترمين) فعلاً، هم التواضع ذاته! وستجدهم من أزهد الناس في الألقاب وحب الظهور والتعالي على الآخرين. عرفتُ فيما مضى رجلاً رائعاً تشرفت بالعمل معه لمدة قصيرة في مجال الصحافة الاستقصائية ... هذا الرجل كان يحمل شهادتيّ دكتوراه، ويعمل كمستشار لدى ثلاث جهات كبرى، ويحمل جنسية بلد يحلم الجميع بمجرد زيارته ... ومع ذلك كان يكره أن يناديه أحد باسم الدكتور فلان او الأستاذ علان، ويصر على أن نخاطبه باسمه مجرداً ... إضافة إلى أنه كان شديد البساطة في لباسه ومظهره ومعيشته ... شديد التواضع، شديد التهذيب.

 

بالمقابل عرفت وقابلت في حياتي عشرات الأشخاص ممن لا يحملون سوى شهادة التعليم الإعدادي أو الثانوي على أقصى تقدير، جاهل سمج سطحي لا يعرف كيف يتكلم، ويصر إصراراً قاتلاً على أن يسمي نفسه (الأستاذ فلان) ... نعم يسمي نفسه! ويقولها لك بالفم الملآن دون أدنى خجل، فقط لأنه يجلس خلف مكتب أو يرد على هاتف خدمة أو يحكي من وراء كاميرا الهاتف! بل وتراه دائماً شامخاً بأنفه للسماء، منتفخ الأوداج من فرط اعجابه بنفسه ... وحدث ولا حرج عن ملابسه وسيارته وفيديوهاته على منصات التواصل إذا كان يملك قرشين أو ثلاثة.

 

 هوس الألقاب، وعشق (الأستذة) هو واحد من أمراض أمتنا التي لم تعد قابلة للعد او الإحصاء ... بل وربما كان هذا الأمر أحد اعراض مرض آخر ... مرض الفراغ الداخلي والسطحية في التفكير ... مرض الجهل ... مرض عقدة النقص التي ترافق معظمنا منذ أن يعي الدنيا وما فيها ونحن نعيش في أتون كل هذا التخلف والجهل والصراع على قشور الحياة ومظاهرها فقط. ومالم نرتقي ونتنزه قليلاً عن هذه السخافات ... سنبقى مسخرة الأمم ما حيينا.

٦ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentarios


bottom of page