top of page
بحث

حول (ما جرى) أمس في دمشق

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش
دمشق

حول ما جرى أمس في دمشق، وسأكتفي بتسميته (ما جرى) لأنني فعلاً عاجز عن إيجاد تسمية واضحة أو دقيقة له ...

 

لن أدخل في أية تفاصيل دستورية أو تشريعية أو قانونية، ولن أناقش الأمر حتى من وجهة نظر المجتمع المدني ورؤى الحرية والديمقراطية، بل سأناقش الأمر من ناحية إعلامية وبروتوكولية بحتة! وقد يدهشكم هذا الطرح، وقد تعتقدون أنه طرح مترف سفسطائي في وقت من المفترض أن نناقش فيه الأمر ضمن وجهات نظر أكثر أهمية ومصيرية، ولكن صدقوا أو لا تصدقوا ... أهم ملف يجب أن نهتم به اليوم جميعاً (سلطة وشعباً) هو الملف الإعلامي، وطريقة ظهور كل ما يجري على الإعلام وأمام الإعلام!

 

(ما جرى) يوم أمس لا يمكن وصفه إلا بأنه (مجـ.ـزرة) إعلامية متكاملة الأركان والأوصاف ...

 

اجتماع هام سينتج عنه قرارات مصيرية ومفصلية بحق بلد فائق الأهمية الجيوسياسية كسوريا، وصاحب إرث حضاري وفكري شديد الغنى والثراء يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام من عمر البشرية، وبحق شعب عريق زاخر بالعقول الجبارة والخبرات الأكاديمية والعملية كالشعب السوري، شعب قام منذ 14 عاماً بواحدة من أشجع وأنبل الثورات ضد واحد من أحقر وأخسّ وأسفل أنظمة الحكم في التاريخ، قدم خلالها أغلى ما لديه، وذاق خلالها الويلات والأهوال التي لم تعرفها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية ... اجتماع سيتم فيه إعلان النصر على هذا النظام السافل الذي لم يتخيل أي انسان في الكون كله أن يشهد سقوطه يوماً، اجتماع سيتم فيه حل الفصائل العسكرية كلها ودمجها بجيش وطني واحد يخدم الشعب ويحمي أمنه وأرضه، اجتماع سيتم فيه حل كل الكيانات السياسية التي استعبدت الشعب السوري وتاجرت بقضاياه على مدى أكثر من نصف قرن، اجتماع سيتم فيه تسليم السلطة والمناصب والقيادات لمن انتصر ولمن رضي الشعب (مؤقتاً) بأن يقودوه ويترأسوه ...

 

تخيلوا بأن اجتماعاً تاريخياً كهذا الاجتماع، يتم إعداده والإعلان عنه بهذه الطريقة الارتجالية المفاجئة (سلقوه سلق)، ويتم التعاطي معه بهذا الشكل البدائي غير الاحترافي، ويتم التكتم عليه بهذه الصورة المؤسفة، وتصلنا – نحن السوريون – مخرجاته بالفاكس والتلغرام ومنصات هواة التواصل الاجتماعي ومراهقي الإعلام، وكأن الشعب السوري مجرد طرف ثالث ساذج لا شأن له ولا رأي ولا قيمة!

 

طبعاً لن أتحدث عن الكوارث الأخرى المتعلقة بشخوص من حضروا الاجتماع، وشخوص من كان يجب أن يحضروا ولم تتم دعوتهم أصلاً! ولن أتحدث عن التفنيد والتحليل القانوني والدستوري لطبيعة الاجتماع وطريقة إعداداه وما خرج به من (قرارات) اتخذها طرف واحد رغماً عن أنوف 26 مليون سوري ... والواقع أننا لم نكن نأمل – حتى مجرد أمل – أن يأخذوا بآراء السوريين، ولكننا كنا نتأمل بأن يحترموهم على الأقل، ويقدروا معنى كلمة (شعب)، ويتعاطوا مع مؤتمر تاريخي ومفصلي كهذا المؤتمر بطريقة أكثر احتراماً للسوريين، وبطريقة إعلامية وبروتوكولية تليق بأهمية الحدث تاريخياً وسياسياً.

 

شخصياً ... لا تهمني كثيراً مخرجات (ما جرى) يوم أمس، لأنها تحصيل حاصل بالنسبة لي ولكل السوريين بعد سقوط نظام الأسد وزواله إلى الأبد، ربما أكثر ما يلفت النظر ويثير الاهتمام في هذه المخرجات هو تغيير تسمية السيد أحمد الشرع من (قائد الإدارة السورية الجديدة) إلى (رئيس الجمهورية العربية السورية) وهو تغيير بروتوكولي وسياسي هام - رغم أنه تحصيل حاصل أيضاً، ولكن التغيير الشكلي مهم وله أبعاده في هذه المرحلة – ومع ذلك، أكرر بأنه لم يتم التعاطي مع هذا القرار بالشكل الإعلامي والسياسي الصحيح، وتم الأمر بطريقة فجة وبدائية وفيها الكثير من الاستخفاف بالشعب والرأي العام.

 

الخلاف ليس أبداً على شخص السيد الشرع، ويمكننا نحن السوريون – وبسعة صدر كبيرة – أن نتغاضى عن سياسة الأمر الواقع التي يفرضها علينا (اللون الواحد) الذي يقوده رئيسنا الجديد، وكل ذلك كرمى للنصر ولفرحة النصر ولرغبة كل السوريين بأن يجتازوا مرحلة ما بعد الأسد بسلام ويستعيدوا نهضة بلادهم واستقرار مستقبلهم، ولكن حتى التغاضي له حد، والسكوت على أمور لا يعني السكوت على كل شيء، والتسليم بأمر واقع لا يعني أن نتهاون بحق من أبسط حقوقنا كسوريين ... ألا وهو حقنا في أن يتم إظهار انتصارنا بمظهره العالمي والتاريخي الذي يليق به.

١٥ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page