top of page
بحث

عام 2017 ...عامٌ من التقلّبات والمفاجآت

صورة الكاتب: محمد حسن أطرشمحمد حسن أطرش


عام 2017

كغيره من مفردات القضية السورية المستعصية على الحل، كان مقدراً لاقتصاد سوريا أن ينال نصيبه من الدمار والتردّي والفوضى الهائلة التشظّي، إن لم يكن واحداً من أكثر المفردات التي تأذت! وكغيره أيضاً من تلك المفردات، كان مقدّراً للاقتصاد السوري أن يشهد تحولات ومفاجآت من العيار الثقيل خلال عام التقلبات والتحولات الهائلة في الملف السوري، عام 2017.

تلك المفاجآت لم تكن سارّة أو إيجابية بحال من الأحوال ومن كل زوايا التحليل ووجهات النظر، حتى إن بدا بعضها جيداً في الظاهر – بالنسبة لفئة محدودة جداً من السوريين أو سواهم – إلا أن آثارها البعيدة المدى أو حقيقتها الواقعية لن تكون جيدة بالقدر الذي تبدو عليه. تلك التحولات الهائلة أتت بعد ست سنوات من تفجر الوضع في سوريا بكل ما رافقه من تهاوٍ في الاقتصاد وانهيار في البنية التحتية وتفكك في البنية الإدارية والمجتمعية والجيوسياسية.

خسائر الاقتصاد السوري كانت هائلة بالمجمل وضمن كل القطاعات دون أي استثناء، وبالرغم من طريقة تعاطي النظام السوري مع الحقائق على الأرض التي تكشف عن اقتصاد متهالك إلا أن الأرقام هي الحكم الفصل في هذا الصدد، وكمراجعة سريعة للأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري خلال السنوات الست الماضية التي سبقت سنة 2017، نجد أن قيمة الليرة السورية انخفضت بأكثر من 90% حيث بلغت في أواخر عام 2016 حوالي 540 ليرة مقابل الدولار بعدما كانت حوالي 50 ليرة للدولار قبل اندلاع الحرب، إضافة إلى أن الناس في مناطق سيطرة النظام بالكاد يحصلون على رواتب تتراوح بين 30 و 40 دولار وهي لا تكاد تكفيهم لسد احتياجاتهم الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ووصلت أسعار السلع الأولية إلى أرقام خيالية في المناطق التي يحاصرها النظام بنسبة 4000%!!! أما الناتج الإجمالي لسوريا فقد بات يعادل نحو 5 مليارات دولار في العام 2016 بعدما كان يساوي في العام 2008 نحو 55 مليار دولار. ويكفي القول ان النفط الذي كان يساهم بحوالي 30 - 40% من الدخل القومي لم يعد موجوداً بعد فقدان النظام للسيطرة على معظم المناطق السورية بما فيها حقول النفط شرقي سوريا، حيث تراجع الإنتاج اليومي للنفط بنسبة 95%، وبلغ إنتاج سوريا من النفط 15 ألف برميل يوميًا مع نهاية العام 2016 بعدما كان يقرب 385 ألف برميل عام 2010. كما تراجع إنتاج الغاز حتى نهاية العام 2016 ليبلغ 10 مليون متر مكعب يوميًا بعد أن كان مقدراً بـ 24 مليون متر مكعب أي بتراجع نسبته 60%. أما في القطاع الزراعي، فقد كانت الزراعة تعتبر من أهم مقومات الاقتصاد السوري إذ تبلغ مساحة مجمل الأراضي الصالحة للزراعة 32% وتشكل نحو 26% من الدخل القومي، بينما تراجع الإنتاج الزراعي بنحو 70% مع نهاية العام 2016، وبلغت خسائر القطاع الزراعي حوالي 1100 مليار ليرة بحسب تصريح وزير الزراعة في حكومة النظام نفسها. بالنسبة للصناعة السورية فقد كان الضرر كارثياً بكل معنى الكلمة، حيث تضررت صناعة النسيج والحلج والغزل والصناعات الغذائية بشكل كبير، وأغلقت المصانع ورحل رأس المال إلى مناطق مجاورة. ويكفي أن نعرف أن استثمارات السوريين في البلدان التي هاجروا إليها بلغت أكثر من 50 مليار دولار، بينما تذكر الإحصائيات أن هناك نحو 38 ألف منشأة صناعية في حلب لا يزال عدد قليل منها يعمل في حين تضرر الباقي بشكل كبير ورحل أصحابها إلى الخارج، وهناك 15 منطقة صناعية متوزعة في مناطق مختلفة من سوريا لم تعد تعمل. اما على صعيد الإنتاج فقد تراجعت قيمة الصادرات السورية من 4.7 مليارات دولار في العام 2011 قبل اندلاع الحرب إلى 220 مليون دولار فقط بحلول العام 2016. ولدى الحديث عن البنية التحتية فالأرقام تشير إلى دمار بنسبة 80% من شبكتي الكهرباء والمياه، وتدمير أكثر من 14.8% ضمن المنشآت التعليمية، وخسائر في قطاع الإسكان قرت بنحو 65%. والمحصلة من كل هذا أن حجم الخسائر في الاقتصاد السوري بلغت نحو 300 مليار دولار بدون احتساب كلفة معدلات النمو، وبعد احتسابها قد تصل إلى 689 مليار دولار بحسب دراسة لمركز (فرنتير إيكونوميكس) الأسترالي للاستشارات ومؤسسة (ورلد فيجن) الخيرية. وفي النهاية لم تستطع المعارضة التي تدير مناطق عديدة في سوريا أن تتمكن من إنجاز تجربة اقتصادية مميزة وخاصة بها على صعيد إدارة مناطقها بحيث تتلاءم مع ظروف الأزمة التي تمر بها. كان كل ذلك ملخصاً سريعاً عن حال الاقتصاد السوري خلال خمس سنوات سبقت العام 2017، فماهي المفاجآت والتحولات الجديدة التي حدثت بعد ذلك خلال هذا العام الذي يوشك على الرحيل بعد أيام قليلة؟

لعل أول ما يمكن أن يتبادر إلى أذهاننا عند الحديث عن الوضع السوري الراهن هو التغير الهائل في خارطة السيطرة ضمن الأرض السورية من شمالها إلى جنوبها خلال عام 2017 وبشكل متسارع جداً مختلف تمام الاختلاف عن التغيرات البطيئة التي جرت في الأعوام الخمس الماضية. إضافة إلى سقوط وتهاوي تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق بعد أن كان يسيطر على مساحات شاسعة متصلة ببعضها جغرافياً وبشرياً. هذا العاملان بالتحديد أسهما إسهاماً كبيراً في حدوث انقلاب كبير في الوضع الاقتصادي السوري، وخاصة فيما يتعلق بالنفط، إذا خسر التنظيم تمويله الضخم الذي كان يحصل عليه من تلك الحقول النفطية لصالح تحول السيطرة إلى ميليشيات ما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية) المدعومة أمريكياً، والتي أظهر دعهما هذا هوس الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على كل نفط المنطقة، بينما تمكن النظام من استعادة السيطرة على حقول الغاز، وهذا أظهر بالمقابل هوس روسيا – الداعمة للنظام – بالسيطرة على غاز المنطقة. وهكذا تقاسمت الدولتين الكبيرتين الأراضي السورية كل حسب مصلحتها وعن طريق وكلائها على الأرض.

تغير معادلات السيطرة يستتبع أيضاً الحديث عن المعابر الحدودية – التي تعتبر واحداً من أهم المصادر الاقتصادية للبلاد – فبعد نجاح عملية (درع الفرات) التي نفذتها تركيا لطرد تنظيم الدولة من ريف حلب الشمالي، استعادت المعابر الحدودية بين تركيا والريف الشمالي عافيتها إلى حد ما، بل وحتى تم افتتاح معابر جديدة في كل من (جرابلس) و (الراعي) بينما تم تسليم معبر (السلامة) العتيق إلى الحكومة السورية المؤقتة، في بادرة تعتبر الأولى من نوعها بين الفصائل العسكرية – المتحكمة أصلاً بكل المعابر – وبين سلطة مدنية تم إقصاؤها ميدانياً لفترة طويلة كالحكومة المؤقتة، بينما تحتفظ إدلب بمعبر باب الهوى، والذي أدارته (حركة أحرار الشام) لفترة طويلة قبل أن تسيطر (هيئة تحرير الشام) على معظم محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي والجنوبي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشرقي، مما أدى لنشوب معركة سيطرة مفتوحة بين الحركة والهيئة انتهت إلى تحييد المعبر وتسليمه لهيئة مدية خدمية مستقلة صورياً. معبر باب الهوى تحديداً يعتبر ذو قيمة استراتيجية كبرى لأنه يغذي مناطق المعارضة في شمال سوريا ويسهم بشكل كبير في التجارة الخارجية لسوريا، فهو الشريان الأكبر الذي يربط سوريا بالعالم من خلال تركيا، وصُنّف بأنه المعبر الأول من بين المعابر السورية التي تسيطر عليها المعارضة، تبعًا لحركة عبور المسافرين والبضائع القادمة من تركيا والتي تمد منطقة إدلب وما حولها بالسلع والخدمات الأساسية، فنسبة 80% من المسافرين والبضائع تمر عبر باب الهوى بينما الـ 20% الأخرى تعبر من خلال معبر السلامة في ريف حلب الشمالي. إلا أن إيرادات المعبر الشهرية التي قدرتها جهات إعلامية محلية بنحو 60 مليون دولار سنويًا، لم يتم توجيها لرفد التنمية المحلية في القطاعات المختلفة في إدلب بحيث يتم الاستعاضة بها عن المنظمات الأجنبية والمحلية. كذك تمكن النظام تقريباً من استعادة السيطرة على حدوده مع العراق، واستعاد السيطرة على معبره الرئيسي في (البوكمال) مما سيعطيه مستقبلاً حرية كبيرة في الحركة العسكرية والاقتصادية على السواء مع حليفيه العراقي والإيراني. أما في الجنوب، فلازالت المفاوضات مستمرة بشأن المعابر الحدودية مع الأردن الذي لازال يرفض حتى الآن أن يتسلم إدارتها أي طرف من أطراف النزاع السوري بوضعهم الحالي، ويفضل إبقائها مغلقة حتى إشعار آخر.

نأتي إلى التحولات التي طرأت على الليرة السورية خلال عام 2017، فقد شهدت الليرة السورية ارتفاعا ملحوظاً أمام الدولار، إذ كانت قيمة الدولار في بداية 2017 نحو 530 ليرة حسب البنك المركزي السوري ليصل إلى مرحلة انخفض فيها إلى ما دون الـ 400 ليرة في منتصف العام، وأوشك على الانتهاء بسعر حوالي 450 تقريباً حتى لحظة كتابة هذا المقال. هذا الارتفاع الكبير نسبياً لليرة عزاه أنصار النظام السوري وحلفاؤه لما أسموه (الانتصارات العسكرية للجيش السوري) وتمكن النظام من استعادة السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، إلا أن حقيقة الأمر تكمن في أن هذا التعافي المحدود والقصير جداً لليرة السورية أتى ضمن سلسلة من المناورات – الإعلامية أصلاً – التي نفذها النظام وداعموه وحلفاؤه لبث جو مؤقت يوحي بالانتصار المطلق للنظام، ولرفع الروح المعنوية لجمهوره ومؤيديه.

في نفس السياق، وضمن الحرب الإعلامية الخلّبية التي يقوم بها النظام لإيهام أنصاره والعالم كله بأنه يستعيد زمام المبادرة على كل الصعد بما فيها الاقتصادية، أتت خطوة إعادة افتتاح (معرض دمشق الدولي) بعد أن توقف لمدة ست سنوات مضت بسبب انعدام الأمن وتهاوي الاقتصاد، بمشاركة عدد محدود من الدول التي لازالت تقف في صف النظام السوري، بالإضافة لعدد من الشركات التي لم تجد مانعاً من المشاركة في المعرض بغض النظر عن مواقف دولها الرافضة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

وفي ذات الصدد، وبتحريك صوري من عصبة الدول المؤيدة لنظام الأسد، تم خلال عام 2017 تحريك ملف إعادة إعمار سوريا بقوة وبزخم غير مسبوق، لإيهام العالم أن النظام انتصر ولملم شظايا الحرب التي تسبب بها، وبات متفرغاً الآن لإعادة الإعمار. ملف إعادة الإعمار بالذات لا زال حساساً وإشكالياً جداً في سوريا. فمع الموقف السلبي للطرف الغربي والعربي المعارض بمعظمه لنظام الأسد والرافض لبقائه، لن يتم التقدم جدياً في ملف إعادة الإعمار لأن هذا الحلف يرفض تمويل إعادة الإعمار ما دام الأسد معتلٍ لسدة الحكم في سوريا، وهذا الحلف – الغربي والعربي الخليجي – هو المعول عليه أصلاً في إعادة الإعمار وهو القادر عليه أساساً. لذلك انبرت بالمقابل عصبة الدول المؤيدة للنظام – وفي مقدمتها روسيا والصين وإيران – لتبنّي عملية إعادة الإعمار، وهذا ما يشكك الخبراء الاقتصاديون في جدواه أساساً، لأن تلك الدول تعاني من الأزمات الاقتصادية الطاحنة بما يمنعها من تمويل أيّ عملية إعادة إعمار مهما كان العائد من ورائها، كما أن هذه المناورة تأتي في السياق الإعلامي الخلبي أكثر من أي شيء جدي يوحي به الأمر.

على صعيد آخر، فقد سن النظام السوري حزمة من القرارات الجديدة بخصوص الحصول على جوازات السفر وتجديدها خلال عام 2017 مستغلاً الانتشار الهائل للسوريين في كل أنحاء العالم بعد الحرب، وبقاءه – للأسف – الطرف الوحيد المصرح له دولياً بإصدار وثائق السفر للسوريين، مما جعله يحصل على إيرادات قدرت بنحو أكثر من 41 مليون دولار من جوازات السفر لوحدها خلال عام 2017 فقط، حيث بلغ عدد الجوازات الممنوحة في عام 2017 أكثر من 360 ألف جواز سفر.

كل تلك التحولات السابقة – وغيرها – قد توحي للكثيرين بأن نظام الأسد يستعيد السيطرة على الوضع الاقتصادي المؤسف الذي تسبب به لسوريا وللشعب السوري، وهذا ما قد يبدو للبعض أمراً حسناً في نهاية المطاف لصالح سوريا والسوريين قبل أي شيء آخر، إلا أن الوجه الآخر للحقيقة يكشف عن أمرين هامين، الأول هو أن النظام لا ينوي بحال من الأحوال إفادة الشعب السوري وإنقاذه من الهاوية التي سقط فيها بتلك الانتصارات الاقتصادية المزعومة، بل هو في واقع الأمر يستفيد من أي انتعاش أو منفعة اقتصادية ليغذي بها آلته الحربية والأمنية والقمعية وحاشيته الحاكمة المقربة، والثاني هو أن تلك الانتصارات والتغيرات والتحولات ما هي إلا حركات إعلامية وهمية لذر الرماد في العيون ولرفع معنويات مؤيديه وإيصال رسائل سياسية معينة للمجتمع الدولي.

سنة 2017 كانت سنة حافلة بالنسبة لسوريا، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وبالرغم من كل التحولات والمفاجآت الاقتصادية التي تضمنتها، والتي يفترض أن تكون بوارق أمل في انفراج الأزمة، إلا أن الوضع الميداني يثبت عكس ذلك تماماً، ويؤكد بما لا يدع مجلاً للشك بأن الاقتصاد – كغيره من الأمور – يمكن أن يكون أداة فعالة جداً بيد السياسة والعسكرة والإعلام، وأن المنطاد يمكن أن يكون ضخماً جداً، إلا أن داخله فارغ تماماً وبلا أي مضمون حقيقي.


مشاهدة واحدة (١)٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page